غلبة الفشل الإداري في قطاعنا العام تحفز طرح مخارج بتكلفة شبه مجانية..! “الخصخصة المؤقتة للإدارة”.. طرح لاستثمار من نوع جديد يرفد الخزينة بمليارات الدولارات!
لا شك أن الأزمات الاقتصادية التي تصيب الدول، وتكون من النوع الثقيل غير المسبوق يستلزم للتعامل معها طرق غير تقليدية وغير عادية، خصوصاً تلك التي تستنزف قدرات الدول الاقتصادية؛ ما يجعل توفر الرأسمال النقدي (بشقيه الوطني والأجنبي) أمراً صعباً ونادراً، وهذه قضية تستوجب عدم المغامرة بالكميات المحدودة المتوفرة (الاحتياطي) من النقد بشقيه…
من هنا وجب الانطلاق بالتفكير المُنْتِج اقتصادياً ووطنياً، دون أن يكون لهذا التفكير أية أعباء على الوطن (اقتصادية، اجتماعية، تنموية) لكي تتحقق الجدوى من أية فكرة إبداعية جديدة ومفيدة.
فمثلاً حين يكون التصنيع في دولة ما، يعطي قيمة مضافة كبيرة للمنتج النهائي، نرى الكثير من المستثمرين يتهافتون على تلك الدولة، لتحقيق مكاسب تنعكس إيجاباً على المستثمر، وقبله على الاقتصاد الوطني، نتيجة تشغيل منشآته بالطريقة المثلى والنتيجة الأنجع، وذلك من خلال إدارات احترافية مجربة من الخبراء في هذا المجال أو ذاك، كل في مجال اختصاصه.
كما أن عدم وجود أموال كثيرة في يد الدولة لاستثمارها في قطاعاتها الاقتصادية المتعددة – نتيجة أعباء الأزمات – يجعل أصحاب القرار الاقتصادي- الاجتماعي، يفتشون عن مصادر تمويلية ضمن الشروط السيادية الوطنية المحققة للازدهار والبحبوحة، بعد شح وضعف وإرهاق اقتصادي.
حل للمستعصي..!؟
مدخل كان مثار حوار مع الخبير الاقتصادي سامر حلاق، فرضه واقع العديد من الإدارات الفاشلة لعدد من شركاتنا العامة، التي لم تستطع على مدار عقود، القدرة على النجاح والتطور، وإثبات العكس؛ حوار استند لفكرة “الخصخصة المؤقتة للإدارة”، كان أعد لها ضيف “البعث”، دراسة وجيهة تستحق الاهتمام والأخذ بها إن أمكن، علنا نساهم بطرح متوازن ينهض باقتصادنا الوطني، من دون تحميله متوالية أعباء تكاد تشلَّه، وبالآن معاً تقديم حلول نعتقد أنها مغرية بجدواها الاقتصادية والمالية والنقدية…
محددات هامة
من هذا المنظور يرى حلاق أن من أهم الإبداعات الاقتصادية التي تفيد الاقتصاديات التي تحاول الخروج من عنق زجاج أزماتها، تأجير كثير من منشآتها الاقتصادية للقطاع الخاص (سواء داخلي أو خارجي حسب مصلحة الاقتصاد الوطني)، بشكل استثماري ولفترات مغرية للمستثمرين، ومفيدة للاقتصاد الوطني، محددة زمنياً بين 7 – 12 سنة، حيث يتم ذلك من خلال دفتر شروط للمزاد التأجيري الاستثماري حسب كل منشأة على حدة، وحسب كل قطاع على حدة، مع تضمين دفتر الشروط، عدم تسريح الموظفين ضمن المنشآت طيلة فترة التأجير الاستثماري.
فوائد وازنة
وهذا الأسلوب الاستثماري وفقاً لحلاق، يستوجب بعض التعديلات العملية التي تجعل طبيعة الاستثمار مرنة ومفيدة لأطرافها، وتكمن إيجابيات هذه الفكرة الاستثمارية بسباعية من الفوائد:
– عدم تجميد رأسمال من الدولة لإصلاح المنشآت وتجديد خطوط إنتاجها القديمة والمترهلة، حيث يقوم المستثمر بضخ أمواله للتجديد والإصلاح وتدريب الموظفين على فنون وعلوم الإدارة والتقنيات، من أجل حصوله على نسبة عالية من الربح، تزداد كلما كان الموظف والعامل الفني يمتلك مهارات علمية…
– الحفاظ على القطع الأجنبي الذي كانت الدولة ستنفقه فيما لو قامت بإصلاح أو تجديد خطوط الإنتاج، واستيرادها من دول المنشأ.
– عدم الضغط على مدخرات المصرف المركزي من القطع الأجنب؛ ما يعزز قوة ومتانة العملة الوطنية.
– استلام منشآت – بعد انتهاء مدة التأجير الاستثماري – بحالة جيدة وحديثة وبوجود كوادر خبيرة، أنفق على تأهيلها المستثمر لا الدولة.
– استلام أسواق مفتوحة لتصريف المنتجات – بعد مدة التأجير الاستثماري – كانت الجهة المستثمرة قد فتحتها بحكم علاقاتها قبل وخلال مدة التأجير الاستثماري.
– تحقيق عائدية سنوية صافية للخزينة السورية تقدر بمليارات الدولارات، وذلك من دون أن تتحمل الدولة أية تكلفة.
– من خلال العائدية السنوية للاستثمار يمكن للدولة إنشاء منشآت قطاعية في القطاعات الرابحة، وذلك بدون أن تجمد رأسمال خاص، بل من عائدية التأجير الاستثماري.
مغريات استثمارية
أما بالنسبة للمغريات التي تجعل المستثمر يُقدم على الاستثمار في بلد فيها أزمات وفيها تخريب من الإرهاب للمنشآت الاقتصادية، فهي كبيرة وكثيرة، منها:
– القيمة المضافة الكبرى لمخرجات المنتج السوري، فعلى سبيل المثال لا الحصر: (قطعة البسكوت تكلفتها التصديرية في سورية تساوي ربع تكلفتها التصديرية في أوروبا، كما أن تكلفة السياحة السورية على المجموعات السياحية تساوي ربع تكلفتها بالنسبة للدول الأوربية المصدرة للسياح..! حيث نرى أن القيمة المضافة لدينا تصل إلى 300%..! وهذه النسبة عالية جداً عالمياً..! ويمكن أن نقيس على ذلك في عدد من القطاعات، ومنها استثمار محاصيلنا الزراعية، مثل الحمضيات – بميزته الخالي من المبيدات التي لم تستطع الإدارات المتعاقبة حل معضلته تصنيعاً وتسويقاً..!).
– قدرة المستثمر في سورية على استرداد رأسماله المدفوع خلال فترة لا تتجاوز 5 سنوات، وهذا عامل مغرٍ وجاذب لأي مستثمر.
– وجود سوق سوري واعد مستقبلاً، يمكنه تصريف كامل المنتجات والمخرجات الإنتاجية للمستثمرين.
– قدرة المستثمر على المنافسة السعرية خارج سورية، وقدرته الكبيرة على التصدير، وحيازة القطع الأجنبي الذي سيذهب إلى الخزينة السورية؛ ما يزيدها منعة وقوة…
خاضع للدولة..
وخلص الحلاق إلى أن المبدأ أعلاه، سيكون خاضعاً لإرادة وموافقة الدولة، كما يخضع للقضاء الإداري والقضاء الاستثماري..؛ وهو من خلال “خصخصة مؤقتة” لإدارة المنشأة خلال فترة الاستثمار، يؤدي إلى قتل الترهل والضعف والفساد؛ وذلك من خلال وجود إدارة خبيرة من القطاع الخاص، حافزها الربح المادي والمعنوي، وزيادة منسوب الخبرة والشفافية لدى كوادر المنشأة التي تستثمرها؛ ما يعني في خفاياه مكافحة قاتلة للفساد بدون يافطة مكافحة الفساد، وهذا الأسلوب معزز للمناعة الوطنية؛ نظراً لأن المستثمر سيمنح مكافأة كبيرة لكل إنجاز يحققه العمال؛ ما يجعلهم في بحبوحة واستقرار نفسي ومالي ومعيشي… وإنهاء جدلية زيادة الرواتب للموظفين..!
إن البدء – وبأسرع ما يمكن- في تنفيذ هذه الفكرة المستطاع عليها، والتي يمكن تطبيقها في عدد من القطاعات..، يؤدي لتحولات اقتصادية هامة ذات مردود اقتصادي وطني بامتياز…
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com