نوافذ 55
عبد الكريم النّاعم
الإنجاز، أيّاً كان موضوعه، وقيمته المردوديّة، حين لا يكون في صميمه في صالح الشرائح الاجتماعيّة كافّة، فهو إنجاز ناقص وظالم، فالرّبح في التجارة، في الغالب، فائدته العظمى لصاحب رأس المال، وإنجازات الشركات الكبرى، بما فيها من إضافات في التكنولوجيا، وفي الإنتاج، سواء كانت إستراتيجية أو استهلاكيّة، فإنّ فائدتها تعود لأصحاب الشركات، وقد لا يستفيد منها العمّال إلاّ القليل القليل، والمشكلة الجوهريّة تكمن في الوظيفة العامّة للكتلة النقديّة، فأيّ إنجاز أن تذهب كلّ تلك الأرباح الخياليّة إلى جيوب حفنة من الناس، المسألة في صميمها أخلاقيّة، وهي تختلف بين مجتمع وآخر، صحيح أنّ الغرب الرأسمالي المتوحش قد ضمن بعض الحقوق لأبناء مجتمعه، وكان ذلك على حساب إفقار الشعوب الأخرى، فأيّة قيمة جوهريّة، في المنظور الإنساني، إنّها ضمنا نظرة اربح.. اربح، ولو على حساب الفقراء، والمسألة في البلدان الطامحة إلى النموّ أكثر تعقيدا وإشكالا، بسبب هيمنة أفكار، وعقائد، ومنظومات أخلاقيّة، لا يُعوَّل على الفاعل منها، من هنا يمكن الإشارة إلى نهضة اليابان والصين التي اعتمدت في جذورها على قيم أخلاقيّة مستمَدّة من أخلاق الأمّة، ولقد سمعت ممن هو على اطلاع، أنّ إحدى الشركات الكبرى المنتجة للصناعات الالكترونيّة في اليابان، قد ملّكت عمالّها ثلث تلك الشركة، فهم يربحون، إضافة إلى أجورهم، ثلث الأرباح، وكان ذلك أحد أسباب نجاحها، وهذا كلّه لا يتحقّق إلاّ باستنهاض سيادة القانون، والتربية تربية أخلاقيّة، مدروسة، تستفيد ممّا في موروثنا من قيم رفيعة، لا تلك المّدّعاة ادّعاء، والتي تشكّل حالة من التنافخ اللفظيّ الفارغ.
*******
يُرفع الآن بحماس، في الغالب، هو غير واع، موضوع (الديمقراطية)، والتي تشكِّل الآن، بيد القوى النّهّابّة الغربيّة، ورقةً للّعب، والمساومة، والتسلّل إلى مراكز القرار في البلدان الساعية للنموّ، لا من أجل إقامة ديمقراطية حقيقيّة، بل من أجل إغراق أهل تلك البلاد (بإجراءات) انتخابيّة شكليّة، قد تعطيك في النتيجة بعض التبدّل في بعض الوجوه، مع إبقاء كلّ الخروقات التي تؤدّي إلى تذرير تلك المجتمعات، وتفكيكها، وإضعافها، وإلحاقها بمركز القرار الرأسمالي المتوحّش، ولدينا، ولديكم الكثير من النّماذج التي عايشناها، وما زلنا، وهذا يفسّر أسباب سكوت تلك القوى النّهابة عن البلدان التي لم تعرف (الإجراء) الديمقراطي منذ أن أُنشئت حتى الآن، فالهدف واحد، هنا في تأبيد مرتكزات التخلّف، مادام الهدف متحقّقا، وهناك عبر (إجراء) صناديق الاقتراع الذي يسمح لها بالتسلّل وإحكام السيطرة، وهذا يوجب على البلدان المتصدّية للمطامع الصهيوامريكيّة أن تكون كلّ خطواتها، في هذا المجال، في صالح ما يُعزّز المتانة الوطنيّة القوميّة والعدالة الاجتماعيّة.
*******
قد نكرّر بعض الأفكار، تأكيدا عليها، وهذا قد يتجدّد مادامت المسّوِغات قائمة، فما دام ألم المريض مُمِضّاً فلا يُلام في التوجّع.
ممّا يؤسف له، ويُحزَن عليه، أنّ محرّك شبابنا، وهم نسبة عالية في مجتمعاتنا، وهذه نقطة بالغة الخوف، حين لا نُحسن التعامل معها، محرّك هؤلاء الشباب لم يعد (المبادئ) التي لُقّنوها في مراحل دراستهم، فقد اختفتْ أو كادتْ، بسبب غياب النّموذج، وتلك مسألة بعيدة النتائج، إنّ أحلامهم كلّها محصورة في كيف يصلون إلى الثروة، فالمال، في حضوره، وعلى ضوء الحاجيات الأساسيّة، هو عصب الحياة، فإذا أضفنا إلى ذلك الاغتراب القائم في النفوس بين الواقع، وبين ماتبثّه الفضائيات، فسوف ينتج عن ذلك الإعراض عن القيم الأخلاقيّة الإنسانية الجوهريّة، ونكون أمام مَن يبحث عن الوصول ولو على حساب كلّ القيم الأخرى، وهذه كارثة أخرى، تنمو، وتتضخّم، ولا بدّ من وضع الخطط اللازمة، لاسترداد هذا الجيل من اغترابه، وهنا تبرز أهميّة البناء الأخلاقي مقرونة بتأمين لقمة العيش الكريم، وفي مقدّمة ذلك الحفاظ على القطاع العام، وتنقيته، وتنميته، لئلا يتغوَّل المتغوِّلون.
aaalnaem@gmail.com