صفاء الست.. الموت يسكن قريبا منا
تظهر ملامح الأزمات الإنسانية الناتجة عن الحروب والمصاعب التي تعاني منها المجتمعات في ميادين متعددة، وأكثر هذه الميادين حساسية هي تلك المساحات الوجدانية التي تنتج الأدب والفنون والثقافات عموما باعتبارها تتموضع عميقا في المنطقة المنتجة لتلك الحساسيات الفاعلة في الإبداع والخلق لأي أثر، فتتفاعل الفنون معا في هذا الحيز من الزمان والمكان وتظهر علامات الحمل مبكرة لكن الولادة قد تتأخر قليلا، إلا أن الذات الفاعلة هي تلك الذات المستقبلة للأحداث باعتبارها جزءا من هذا المصير كما تتأثر وتؤثر أيضا في خلق تجاوز لهذا الكم، حيث لا مناص من الإبداع والتعبير والخلق كحياة جديدة موازية ومتفوقة.
في هذا السياق تنتج الفنانة صفاء الست المشغولة بتأليف عالمها المستفز للسكينة والوداعة حيث تأخذنا هذه الذات الأنثوية إلى الصورة الفادحة وتضعنا وجها لوجه أمام مجسماتها المعدنية المجمعة من مبعثرات الخردة والحديد، تشكل منها هيكلا عظميا لماعز أو طائر، أو ترصف أمام المتلقي وجبة من قوائم الماشية “غنم– بقر” يتوجها مجموعة من السكاكين والسواطير. مشهد لا يمكنك أن تكون حياديا أمامه وسيبقى عالقا كالكابوس في الذاكرة .. ربما هذه اليوميات المتلاحقة في صورها لن تجعل منك كائنا حياديا أمام هذا الهول من الترميز.
كتب الأديب خالد خليفة في مقدمة دليل المعرض بلغته الروائية وصفا لهذه السيرة البصرية : “ما نراه في منحوتات صفاء الست أن الموت يسكن قريبا مني – ليس هياكل عظمية لحيوانات منقرضة، بل حياة لم تتشكل بعد، حلم مجهض وبقايا لم تكتمل، هذه العظام الناتئة توحي بأن الأمر لايتعدى مجموعة كائنات مجهولة تشبه حيوانات نعرفها جيدا، قرأنا عنها، شاهدناها ذات يوم تخبرنا دون مواربة أن الموت يسكن قربنا، لا تطلب منا أن نلتفت إليه وتكمل في مخاطبتها بأننا كهذه البقايا التي نحتتها بصبر شديد.. هذه الهياكل هي عظامنا التي نلمسها بحذر يوميا كي نتأكد بأنها لم تتحول إلى رماد بعد.. “الموت يسكن قريبا مني” جولة قاسية في بقايا أسلافنا وفي حاضرنا الذي نعيشه منذ الأزل، في موتنا المقبل رغم ادعائنا الحياة”.
أقيم المعرض في صالة تجليات للفنون الجميلة في دمشق وقد شهد إقبالا مقبولا ينفي عنوان المعرض “الموت يسكن قريبا مني” ويؤكد أن الحياة تستحق أن ندافع عنها وحسبي أن الفن والجمال سلاح الأبد.
أكسم طلاع