الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

طفيليات ظلامية

غالية خوجة

انتصرت سورية منذ القدم، وانتصرت سورية حتى الأبد اللا منتهي، وانتصرت القدود الحلبية والتطريز الفلسطيني وخيال الظل واللغة العربية وفرضت نفسها موروثاً إنسانياً عالمياً، لكن، هل ومتى تنتصر الثقافة العربية؟ والثقافة المحلية؟

تتكاثر الطفيليات الثقافية، تماماً، كما شجر اللبلاب، أو الورود آكلة اللحوم، وتنمو مثل الطحالب في وسط يألفها، ويصفق لها، فتزداد خيبة المجتمع وانكساراته، ويبتعد الناس عن حضور الأنشطة الثقافية لأنها ستزيد من تفريغهم من الحياة، وتأخذ من أعمارهم نحو السُدى. الأعمار التي نعيشها مرة واحدة فقط، تستحق منا الاهتمام، فلا نتخلص منها بالتسلية واللهو واللعب، بل نسعى لنملأها بالأفعال المضيئة، والتفكير المستزيد من التفكير، للوصول إلى معرفة أكبر، فهل يجسّدها ما يقدم في المشهد الثقافي عموماً؟.

لنصل إلى هذا البعد المتجوهر ثقافياً لا بد من النقد والنقد الذاتي لتقديم الأفضل دائماً، والتنافس بمحبة من أجل تقديم الأفضل، وذلك من خلال مسؤولية تقديم المفيد غير المكرّر بنسخ مشوهة، ولا بد من مثقفين ثقاة وطنياً وأخلاقياً وإبداعياً وإدارياً واجتماعياً، فهل هذا ما نلمسه من خلال يومياتنا المعاصرة؟

الثقافة طاهرة لا تحتمل الاجتماع مع الخيانة والفساد، وبطبيعتها وطبعها الفطري البريء تعادي الخيانة والرجس والإرهاب والفساد والظلم والظلام والإفساد، لذلك لا بد من غربلة المشهد الثقافي والفني والإعلامي والحياتي أخلاقياً ووطنياً من الطفيليات والمتسلّلين والمرتدين عن الهوية العربية السورية، المدرّبين حتى الإتقان على التوغل والتغلغل بيننا، ودسّ السم في الدسم، وغسل العقول تحت قناع الثقافة والتسامح والحوار مع الآخر المتظالل باستعمار خفيّ، وتسميم الأرواح والضمائر والقيم، وغرس المفاهيم الاستعمارية في الجيل الشاب وإلهائه بالغرائز والمال والانحلال، وزراعة مصطلح “الفوضى الخلاقة الدموي والتدميري” بوسائل جديدة، والتمسكن حتى التمكن على المدى القريب أو البعيد لإعادة الظلامية التدميرية وهو حلم إبليس في الجنة.

ولا بد من مواجهة وغربلة لهذه الكائنات وهي تخطّط للمزيد من التدمير النفسي والعقلي والحضاري للذات الجمعية من خلال العديد من الوسائل، وأهمها في مرحلة البناء وإعادة الإعمار وترسيخ القيم الأخلاقية والوطنية والهوية وتعزيز الانتماء للوطن لأن الوطن الكرامة والحياة والانتماء، ولا بد من الإفصاح عن هذه الموبوءات والألغام المنتشرة، واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهها من قبل الجهات المعنية والمختصة، فلا يعقل أن يكون بيننا ممن ساهم في التحريض على القتل والتدمير وتعبئة الظلاميين، ويأتي من يقول لك: يداه لم تتلوّث بالدم، ويعتبره كاتباً أو كاتبة.

وهناك من لا تعرف كيف قفز أو تسلّل إلى الوسط الثقافي المعنيّ، وصارت له مجموعات على مختلف وسائل التواصل، وأصبح يقترح ملتقيات وفعاليات ويدسّ بين الأسماء التي يقترحها اسماً ظلامياً أو مثنى وثلاثاً ورباعاً!.

ولا بد من إعادة النظر في التنسيب للكثيرين من الجدد تحت يافطة التشجيع، شباناً ومغتربين في الخارج، وعائدين، وآخرين ماكثين، ولا بد من إعادة النظر في الإصدارات والمنشورات، وأيضاً، في الجوائز المحلية، والفائزين فيها من الداخل والخارج، إضافة للفائزين في جوائز خارجية مشبوهة.

ولا ننسى كيف تسلّل بعضهم إلى بعض المناصب بعدما هاجم الوطن وكتب مقدمة لكتاب ما، أو كتب محرضاً في وسائل مضادة إلكترونية، بأسماء حقيقية أو حركية.

وما نشير إليه ثقافياً ينطبق على الكثير من المجالات الحياتية الأخرى، لذلك، لا بد من الانتباه إلى البيئة المظللة التي تعشّش في الواقع اللا منظور وتشكّل حاضنة أساسية لهؤلاء وتدعمها لغايات إفسادية وتدميرية ضمن تكتيك ممنهج يحسبونه ذكياً ومستتراً، ولكنه مفضوح للمرء الذي لا يلدغ من الحجر مرتين.