دراساتصحيفة البعث

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. وسيلة غربية للسيطرة والابتزاز

يعدّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة من نوعها في تاريخ البشرية، وهو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنّته الأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول عام 1948 في قصر شايو في باريس، ويتألف الإعلان من ثلاثين مادة تضمن برأي الأمم المتحدة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز على أساس العرق أو الجنس، أو اللغة، أو الدين.

يشكّل هذا الإعلان أحد أهم الوثائق الدولية الرئيسة لحقوق الإنسان التي تم تبينها من الأمم المتحدة، ونالت تلك الوثيقة موقعاً مهمّاً في القانون الدولي، وذلك مع وثيقتي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من عام 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من عام 1966. وتشكّل الوثائق الثلاثة معاً ما يسمّى “لائحة الحقوق الدولية”. وفي عام 1976، بعد أن تمّ التصديق على الوثيقتين من عددٍ كافٍ من الدول، أخذت لائحة الحقوق الدولية قوة القانون الدولي.

لقد أكّدت مقدّمة الإعلان الأهمية القصوى للاعتراف بكرامة الإنسان وتساوي البشر في حقوقهم، والتشدّد في مخاطر تجاهل حقوق الإنسان وإغفال الحريات المرتبطة بها، مذكرة بالأعمال الهمجية التي شهدها التاريخ الإنساني بسبب ذلك التجاهل والإغفال مبرزة إيمان شعوب الأمم المتحدة بهذه الحقوق والحريات وتعهّدها بالعمل على تأمين احترامها.

أما مواد الإعلان الثلاثين الأخرى فتتعرّض لمجموعة متنوعة من حقوق الإنسان، تمتدّ من الحقوق الفردية والشخصية: الحق في الحياة، المساواة، الحرية، الأمن، تحريم الرق والتعذيب والعقوبات الوحشية، الضمانات الواجب توفرها في أثناء التوقيف والمحاكمة، إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى الضمان الاجتماعي، وحق العمل واختيار نوعه، والحق في تأليف النقابات والحق في الراحة وتحديد ساعات العمل والعطل الدورية المأجورة والحق في التربية، مروراً بالحقوق والحريات المرتبطة بعلاقة الفرد بالجماعة والمجتمع بالدولة، والحق في الجنسية والحق بتغييرها، حق الرجل والمرأة في الزواج دون قيد، وحق اللجوء والتنقل، وحق التملك، والحقوق الأساسية والحريات العامة وحرية الفكر والمعتقد والدين، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتماعات وإنشاء الجمعيات، والمشاركة في الشؤون العامة، وحرية الانتخابات والتساوي في التوظيف، والحق في نظام اجتماعي ودوري يحقق ما ورد في الإعلان، وحدود ممارسة هذه الحقوق، وعدم جواز تفسير مواد الإعلان بشكل يقود إلى منح أية دولة أو جماعة أو فرد الحق في القيام بعمل يرمي إلى تقويض الحقوق والحريات التي نصّ عليها، وينتهي الإعلان بأحكام عامة يشوبها الغموض وعدم الوضوح.

لكن يظل السؤال الأهم هو ما مدى التزام الحكومات وخاصة الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى بتطبيق هذه المواد في الواقع العملي؟.

في هذا السياق يقول هاينه بيلفيلد، مدير المعهد الألماني لحقوق الإنسان: إنه لا تزال “انتهاكات حقوق الإنسان موجودة في العالم كما كان عليه الوضع في السابق، فالعالم لم يصبح أفضل مما كان عليه وكذلك وضع الإنسانية”.

ومنذ هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة، بدأت الكثير من حقوق الإنسان المعترف بها بالتراجع، فقد أقدمت مثلاً الولايات المتحدة على حرب العراق دون تفويض من مجلس الأمن ورغم إرادة أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وكذلك تراجعت بعض الدول عن التحريم المطلق للتعذيب، وأخذت أخرى تتجاهل حظر إرسال الأشخاص إلى دول تمارس التعذيب.

علاوة على ذلك فإن التعذيب من خلال قوانين وتشريعات سنّت تحت مظلة “الحرب على الإرهاب”، وما رافق من انتهاكات للحقوق الفردية، وطريقة تعامل دول الاتحاد الأوروبي مع النازحين وطالبي اللجوء، وغيرها، كلها أمور تؤكد أن العالم أبعد ما يكون عن تحقيق أهداف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وخاصة بعدما أصبحت الحرب على الإرهاب فاتورة تدفع على حساب حقوق الإنسان.

ففي أوائل عام 2004، تفجّرت فضيحة انتهاكات جسدية ونفسية وإساءة جنسية تضمّنت تعذيباً، واغتصاباً وقتلاً بحق سجناء كانوا في سجن أبو غريب في العراق، لتخرج إلى العلن ولتعرف باسم فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب. تلك الأفعال قام بها أشخاص من الشرطة العسكرية الأمريكية التابعة لجيش الولايات المتحدة بالإضافة إلى وكالات سرية أخرى.

ويأتي في هذا السياق معتقل غوانتانامو في خليج غوانتانامو وهو سجن ذو سمعة، بدأت السلطات الأمريكية باستعماله في سنة 2002، وذلك لسجن من تشتبه في كونهم إرهابيين، ويعدّ السجن سلطة مطلقة لوجوده خارج الحدود الأمريكية، وذلك في أقصى جنوب شرق كوبا، وتبعد 90 ميلاً عن فلوريدا، ولا ينطبق عليه أي من قوانين حقوق الإنسان إلى الحدّ الذي جعل منظمة العفو الدولية تقول: “إن معتقل غوانتانامو الأمريكي يمثل همجية هذا العصر”. ويشير مراقبون إلى أن معتقل غوانتانامو تنمحي فيه جميع القيم الإنسانية وتنعدم فيه الأخلاق وتتم معاملة المعتقلين بقساوة شديدة، ما أدّى إلى احتجاج بعض المنظمات الحقوقية الدولية والمطالبة بوضع حدّ لهذه المعاناة وإغلاق المعتقل بشكل تام.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم صخباً وضجيجاً بالحديث عن حقوق الإنسان وشعاراته، كما أنها الدولة الأكثر استخداماً لورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، إلا أنها على صعيد الممارسة الفعلية تعدّ الدولة الأخطر على مرّ التاريخ التي انتهكت وتنتهك حقوق الإنسان، أما كل هذا الضجيج والصخب ـ الأمريكي ـ حول حقوق الإنسان فلم يكن سوى ستاراً، أخفى خلفه نزعة التوسّع والسيطرة التي طبعت الإمبراطورية الأمريكية منذ نشأتها وقيامها فوق تلال من جماجم عشرات الملايين من الهنود الحمر، وهكذا فإن حقوق الإنسان كانت هي اللافتة التي اتخذتها الولايات المتحدة ستاراً لارتكاب أبشع ممارسات انتهاكات الإنسان في تاريخ البشرية.

ولقد استغلت الدول الكبرى الغربية “إعلان حقوق الإنسان” كوسيلة للسيطرة والابتزاز، وهي ورقة الضغط المفضلة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأدواتها من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الممانعة للمشاريع الاستعمارية، ومصادرة قرارها الوطني وتحطيم أية محاولة للانعتاق من التبعية بكل أشكالها، وهذا ما يجري لسورية من التدخل في شؤونها الداخلية ومحاولة التأثير في مواقفها الوطنية والقومية الثابتة والمبدئية، ووقف دعمها لحركات المقاومة.

وكذلك شهدت القضية الفلسطينية تواطؤاً دولياً متعمّداً، حيث عملت “إسرائيل” على التنكيل بالإنسان في فلسطين المحتلة ومارست التدمير والحصار وسرقة المياه والآثار وتقطيع الأشجار ومصادرة الأراضي تحت مظلة حماية الولايات المتحدة الأمريكية التي ما فتئت تستعمل حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن ضدّ أي قرار يقف إلى جانب الحق، وما زلنا نشهد حتى هذا الوقت ضروباً من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في فلسطين والعراق واليمن وسورية وأفغانستان وغيرها من البلاد المستهدفة من الدول التي تزعم لنفسها الوصاية على حقوق الإنسان.

 

د.معن منيف سليمان