فرحان الخطيب في “فيض قلب”
فيض قلب هو العنوان الذي اختاره الشاعر فرحان الخطيب لقصائده، وقد بحثت عن قصيدة تحمل هذا العنوان فلم أجدها، وما وجدته يدل على أن الشاعر اختار عنوانه عن سابق فن ودراية: ففي المجموعة الصادرة عن دار الغانم للثقافة، وليس للطباعة والنشر والتوزيع كما جرت العادة في التعريف باسم الدار، فيها ما يفيض من الوجد، ما يفيض من الانتماء، ما يفيض من الومض، ما يفيض من الحزن، وفي كل قصيدة من هذه القصائد فيض قلب:
فزنبق الليل آهات يطيرها/ خمر تشاهق من كرمين ينبثق
وفاض عن شرفة الأسحار موعدنا/ كالليل والنجم عنه ليس يفترق> ص 11
ومن ما فاض من الانتماء قصيدة وطني حيث جراح سورية لظى تتنهد ولا يجد الشاعر قصيدة تستجيب لمهرته إن أسرجت:
وطني تيبست القصيدة في فمي/ وكبت ولم تسعف قيامتها يد
وتأوهت كل المدائن أقفرت/ ممن بها إلا ذئاب شرد
فالشعر مركبه الجمال وواحة/ وبلابل وغصن أملد
ومن ما يفيض به الومض قصائد أرادها الشاعر لسان حاله على غير ما سبق من قصائد طوال، في مجاراة للمألوف هذه الأيام من شعر مع أنه حافظ على الوزن والشطرين ولم يخرج إلى بحور تحمل هذه الومضات على أكتافها كما تحمل الأم رضيعها. ومن هذه الومضات:
أيها البحر يا صديقي كلانا/ في صراع يعيش فينا دوار(ا)
لو حلمنا بأن يرق نسيم/ بعض وقت يكذب الإعصار (ا)
ويمكن قراءة البيتين على الرفع كما أراد الشاعر وعلى النصب كما أرى
ومثل ذلك سر فرحان ص 79 إذ يقول:
لم يقرأ المرء إلا بعض أحجية/ فالسر في الدهر مكنون ومستتر
نعانق الماء في أبهى ملاطفة/ ويعجز الناس كيف الماء ينهمر
ومن أجمل ومضاته ما قاله في جلاء:
يا بهجة العمر يا زهرا على فنن/ يعارك الريح رغم الريح ما انسفحا
وهذه الومضات على الرغم من تنوع أغراضها الشعرية، وكونها الطارئ الجميل في أعمال فرحان الخطيب الشعرية ومنهجيته في السعي الدؤوب لإمتاعنا بالقصيدة العمودية كما درسها في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، تستحق وقفة نقدية متأنية تعطيها ما تستحق من أضواء، وترى فيها ما ترى من إحاطة.
وفي ما يفيض من الحزن “الشجر العتيق” وهي في رثاء الشاعر الشعبي نعمة العاقل ويقول فيها وهي من عيون المراثي:
قل لي إذن كيف الرثاء لشاعر/ هو في ليالي الشعر سطر مقمر
وكذلك قصيدة رثاء الشيخ الشاعر الشهيد سعيد الخطيب وفيها:
وكأن الإله أضفى عليه/ ساعة القبض من لدونه الكمالا
أما عاشق البيد فهي في رثاء جادالله عز الدين ومنها:
طموحا إلى حيث المعاني ينالها/ ولو حال من دون المعالي شديدها
وفي رثاء أخيه جدعان أبو فيصل يقول:
دمعتي مثل غيمة كبلتها/ أذرع الريح حاصرتها الجفون
وفي هذه القصائد الطوال يفرغ الشاعر شحنات حزنه الكبير الصادق بتعداد المناقب من جهة وبتصوير مدى اللوعة على فراق من أحب.
وفرحان شاعر مناسبة من الطراز الرفيع حتى لتكاد كل المناسبات تكتبه ولا يكتبها وهو في هذا الصدد شاعر صادق العاطفة، مثلما هو شاعر ثر المفردات واسع التراكيب، ومجد ومجتهد في التقاط الصور أو حتى استحضارها من أمهات الكتب على نحو بليغ لما يضفيه عليها من حداثة مهما تبدت بثوبها البدوي.
رياض طبرة