الفن التشكيلي الإيراني بعين الفنان السوري
من خلال ندوة واقع الفن التشكيلي الإيراني بعين الفنان السوري ومعرض الفنانة ريم قبطان الأسطة المرافق للندوة التي أقيمت مؤخراً في المستشارية الإيرانية بيَّن المستشار الثقافي أبو الفضل صالحانية أن هذه الندوة والمعرض تعميق للعلاقة بين سورية وإيران، وأن المستشارية من خلال مثل هذه النشاطات ترسل برسائلها إلى دول الغرب أن لدول المقاومة حياتها الثقافية والفنية في ظل الغياب المقصود لهذه النشاطات في الإعلام الغربي الذي يحاول أن يصور للرأي العام أنه ليس هناك فعاليات ثقافية أو فنية في دول المواجهة والمقاومة، مؤكداً في الوقت ذاته أن مثل هذه النشاطات ما هي إلا جسر تواصل لتعميق العلاقات بين دول المقاومة أيضاً.
مينياتور دمشقي
شارك في الندوة التي حضرها السفير الإيراني جواد تركابادي د. إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين والفنانان أكسم طلاع وريم الأسطة التي بيَّنت أن الفنان ابن بيئته، لذلك تجسد في لوحات المعرض الذي افتتح مع الندوة البيئة الشامية على طريقة المينياتور الفارسي التي رشحتها ببعض أبيات شاعر الياسمين نزار قباني في وصف دمشق، لتخرج نتاجاً أسمته “مينياتور دمشقي” وتقدمه هدية لبلدها سورية ولأساتذتها، وبالأخص الخطاط عاصم الرهبان الذي تتلمذت على يديه في الخط الفارسي والديواني، وقد اختارت المستشارية لإقامة معرضها لأن إيران هي البلد الذي يعنى بالفنون الإسلامية وهي فنون تتطلب مواظبة على التدريب وفناناً متمكناً من أدواته، مبينة أن الناس بدؤوا يعون أهمية هذه الفنون، منوهة إلى أن زيارتها عام 2017 لأصفهان منحتها فرصة التعرف على الفن الإسلامي ومجموعة من الفنانين والخطاطين وقد تعرفت على طرائقهم في الكتابة واستخدام القصب الإيراني وورق الآبرو وتعرفت كذلك على الحرف والصناعات اليدوية والتقليدية التي تحاكي المفاهيم التراثية والثقافية الإيرانية القديمة، موضحة أنها أرادت من خلال معرضها “مينياتور دمشقي، خط، زخرفة، منمنمات” أن تقدم أعمالاً تعكس فن المينياتور ببيئة دمشقية من خلال الحارة والبيت الدمشقي بلوحات غلب عليها التكوين الخطي مع زخارف تناسب كل نوع من أنواع الخط لتشكيل نسيج بصري جيد من خلال 44 لوحة.
منصات ثقافية
أما د. إحسان العر فتحدث بداية عن جهل بعض الفنانين في البلدين بتجارب بعضهم، مشيراً إلى أن أهمية الاختلاف ما بين إيران وسورية يحثنا على معرفة ثقافة كل منهما، مع تأكيده على ضرورة وجود منصات ثقافية تجمع الفنان السوري مع الفنان الإيراني، مبيناً أن إيران شهدت بعض التيارات الفنية التي راحت باتجاه الغرب في الوقت الذي ما زال فيه بعض الفنانين ينهلون من الموروث الثقافي من خلال العودة إلى المنمنمات والزخرفة والخط، وقد كانت عملية التأثير بين الفنانين الإيرانيين والسوريين كبيرة حيث استلهم الفنان السوري كيف طور الفنان الإيراني هذه المنمنمات التي تحمل قيمة فكرية، موضحاً أن إيران بلد يهتم بالفنون وقد حولت العديد من القصور فيها لمتاحف للفن وسعت لنشر فن النحت من خلال تماثيل توزعت في ساحاتها وكيف أصبح الفن التطبيقي الإيراني الأول في العالم حيث ينحو بنسبة 50% باتجاه هذا الفن.
ترمم ما تفسده السياسة
في حين أكد الفنان أكسم طلاع أن الفنون والثقافة جسر يجمع جميع البشر وهي ميدان يرمم ما قد تفسده السياسة أحياناً، مبيناً-وهو الذي زار إيران وتعرف على بعض فنانيها وخاصة في مجال الخط-أن الفن في بلد عريق كإيران يمتد لسنوات طويلة في التاريخ، مشيراً إلى مسيرة الخط العربي والإسلامي في إيران وسورية ومنوهاً إلى أن فضل إيران كبير على الخط العربي في ظل سياسة مبيتة بتوجه الشعوب نحو إلغاء الهويات الوطنية، وأن جهود إيران وسورية كبيرة في التمسك بهويتهما وثقافتهما، ويأسف لأن تجارب حداثية عديدة انتمت للفوضى المعممة في العالم والتي تخدم مصالحها وتحاول تدريجياً التخلي عن هويتها، في الوقت الذي يسعى فيها كثيرون لتقديم فن أصيل، منوهاً إلى المشغولات الفنية التي يبرع فيها الفنان الإيراني والتي تنهل من ثقافة المكان.
الفن للبقاء
كما تحدث الخطاط والباحث أحمد المفتي في مداخلة له عن العلاقات القديمة بين إيران وسورية، متناولاً مسيرة بعض الخطاطين السوريين الذين تأثروا بالمدرسة الفارسية. واختتمت الندوة بكلمة للسفير الإيراني الذي أكد على أن الإنسان عندما ينشغل بالفن يفعل ذلك لا لكي يعيش بل لكي يبقى، مبيناً أن الفن هو خير معبّر عن وجود الإنسان وشعوره وليس لبيان أنه يأكل ويشرب وهو شيء وجودي يذوب في بحر الجمال والذي لا يستطيع الذوبان هو صخر وجماد، مشيراً إلى أن جسر التواصل المعنوي الذي تخلقه لوحات كالتي يضمها المعرض هو الأثر العظيم الذي يجب أن نستقيه منها.
أمينة عباس