الســـــينما الســــورية تحصـــــد الجـــوائـــز
حصدت السينما السورية خمس جوائز ضمن مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الـ35 وهي: أفضل سيناريو عن مسابقة الأفلام الدولية، نالها فيلم “درب السما” للمخرج “جود سعيد” وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما،أما مسابقة الأفلام العربية الطويلة -جائزة “نور الشريف”- فقد ذهبت أيضا إلى”درب السما”، وحصد فيلم “الاعتراف”، جائزة “محفوظ عبد الرحمن” لأفضل سيناريو، وهو من إخراج “باسل الخطيب” وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، وجائزة “أفضل ممثل” للفنان القدير “أيمن زيدان” عن دوره في فيلم “درب السما”، وجائزة “أفضل ممثلة” للفنانة النجمة “ديمة قندلفت” عن دورها في فيلم “الاعتراف”.
لا بد من تهنئة السينما المحلية على هذه الإنجازات، والثناء على فنانينا الكبار والمبدعين، وفي مقدمتهم الفنان والمخرج الأصيل “أيمن زيدان”، صاحب البصمة المميزة في أي عمل يشترك فيه والاسم الذي يرتبط بنهضة وانتشار الدراما التلفزيونية المحلية، منذ نهاية “رجل شجاع”، مرورا بـ”يوميات مدير عام “، إلى فيلم “درب السما” والجائزة الأخيرة التي نالها، الأمر الذي ما كان ليتحقق لولا المخرج الموهوب “جود سعيد” وحُسن اعتنائه بمختلف تفاصيل العمل الإبداعي، وأيضا فيلم “الاعتراف”، الذي شارك في كتابته صاحب الموهبة الواعدة “مجيد الخطيب” مع والده صاحب الصورة “التاركوفسكية”، المخرج “باسل الخطيب”.
إن حصول أي منجز فني سوري على جائزة خارج البلاد، هو أمر يُحسب للحركة الفنية السورية التي كانت ولم تزل تثبت أن الفنانين السوريين اليوم، الذين يبدعون في ظروف قاسية، هم أحفاد السوريين الذين أنتجوا وبنوا الحضارة، والعلم والأبجدية.
في هذا الصدد لا بد من تثمين وتقدير، الدعم الذي توليه الحكومة للمبدع السوري، فهي لم تتوقف عن دعم الحركة الفنية والثقافية، حتى والبلاد تمر بأسوأ الظروف التي تسببت بها الحرب، وذلك للتأكيد على أن الجانب الفني الحضاري، كان مُستهدفا في هذه الحرب من قِبل من شنها، فلا بد إذا أن تكون مواجهة العدو ذات بُعد فني أيضا، وهذه الجوائز التي تُقدم سورية في المحافل العربية والدولية على حقيقتها كبلد حضاري وعريق، هي خير دليل على صوابية ذلك التوجه وأهميته، لكن هذه الجهود والإنجازات لكي تكتمل، تحتاج أيضا مثلما تحرص على المهرجانات في الدول الأخرى، أن تحرص على الجمهور المحلي، فهذه الأفلام سيكون مصيرها قريبا عروضا محدودة هنا وهناك، فهي إما قد تم عرضها وشاهدها بضع مئات، أو سوف تُعرض في مناسبات خاصة، مثل فعالية في تلك المحافظة، أو نشاط في ذلك المنتدى، فالحضور في تلك المناسبات لا يمكن أن يُطلق عليه اسم جمهور، والحقيقة التي قد تكون غائبة عن الجميع، هي أن السينما السورية شبه معدومة الجمهور، وللدلالة على ذلك، يمكن لقارئ هذه الكلمات الآن أن يحاول تذكر أسماء عشرة أفلام محلية، إذا نجح بذلك وهنا لا نقصد المتخصصين والمتابعين، بل الجمهور العادي، الذي قد يشاهد مثلا أثناء سفره في “البولمان” فيلما مصريا أو هوليوديا، والدليل الآخر على أن السينما السورية غير جماهيرية، هو عجزها عن صناعة نجوم سينما، فمعظم نجومنا السوريين، هم نجوم تلفزيون، حتى أن السينما تستعين بهم،وغير ذلك تُعتبر السينما السورية بالنسبة للممثل السوري، خطوة مرحلية أو فرصة قد تُقدمه للدراما التلفزيونية، فيرضى المشاركة في فيلم لن يقدمه للجمهور، بل لأهل الاختصاص، الذين قد يستحسنون موهبته، فيطلبونه إلى عمل درامي تلفزيوني.
الحديث عن انعدام جماهيرية السينما المحلية، لا يمكن مقارنته بهوليود مثلا، حيث الإمكانيات المهولة في صناعة السينما، بل يجب أن نقارن أنفسنا ببلدان قريبة منا جغرافيا وحضاريا وعلى مستوى الإمكانيات المتاحة، مثل السينما المصرية والسينما الإيرانية، وكما يُقال: “يلي متلنا تعو لعنّا”، والسؤال هنا لماذا في مصر تزدحم الطوابير أمام دور العرض السينمائية؟ قد يُجيب أحدهم أن الكثافة السكانية لمصر هي السبب فالسوق موجود، حسنا إذا فليحدث الازدحام لدينا أمام دور العرض، وفق نسبة السكان بين البلدين، أي إذا كان سكان البلد عدديا، يعادلون ربع سكان مصر، فنحن نرضى بربع طول الطابور الواقف أمام دور العرض، أو بيع ربع التذاكر، الأمر ليس مرتبطا بالكثافة السكانية أبدا، فمدينة مثل اللاذقية استقبلت في السنوات الماضية أكثر من ضعف سكانها من أبناء المحافظات الأخرى، الذين هجرتهم العصابات الإرهابية، لم تزل حتى اليوم من غير صالة سينما مؤهلة وتعمل وتستقبل الجمهور، ولهذا يَضطر أي نشاط سينمائي فيها، أن يعرض أفلامه في المسرح القومي.
وقد يقول قائل إن ظروف الحصار هي السبب، وهنا نأتي على ذكر تجربة السينما الإيرانية، والتي رغم الحصار والعداء الغربي الذي ما انفك منذ عام 1979، فإنها استطاعت أن تحقق الجماهيرية والجوائز معا، الجماهيرية في الداخل والخارج، والجوائز المرموقة مثل السعفة الذهبية والأوسكار.
الجوائز هي بلا شك درجة ترتقيها السينما السورية نحو التحسُّن والنهوض، ولكن الاهتمام الكبير يجب أن يكون بالجمهور المحلي، لأنه هو من يمنح الجوائز الحقيقية.
تمّام علي بركات