صحيفة البعثمحليات

هويّتنا الاقتصاديّة.. إلى متى..؟!

في الهزيع الأخير من ليل الأزمة الطّويل، وما أنتجته من تبعاتٍ وعقابيل اقتصاديّة بالغة الإيلام؛ لا بُدّ من لملمة الجراح، واستجماع القوى والطّاقات للنّهوض، وتلمّس طريق المستقبل، واستشراف آفاقه وترسيمها في برامج عمل، وخطط استراتيجية طموحة قابلة للقياس والتّنفيذ، ولعلّ أولى خطوات طريق الألف ميل تبتدئ بضرورة الإجابة عن سؤال الهويّة الاقتصاديّة ومُحدّداتها..!
وألف باء الإجابة عن هذا السّؤال؛ هو إعادة النّظر في مُسلّمة: “أبويّة الدّولة” ودورها الرّعائي في مسيرة التطوّر والتّنمية، وملامسة الواقع وعدم الاختباء خلف الإصبع، وذلك بالاعتراف بضرورة توحيد الأشعة وتزخيم جهود أبناء الوطن جميعاً، والقطاعات كافة، ولا سيّما منها القطاع الخاص، في رسم خطا المستقبل.
فالدّولة الأبويّة مُثقلة بالمهام والمسؤوليّات وتحمُّل الأعباء، في حين يقف القطاع الخاص موقف المتفرّج الخجول، إلّا لماماً، إذ لم يأخذ زمام المبادرة، ولم يتصدَّ لدوره المأمول في مسيرة التّنمية.
ولابدّ -والحال هذه- لزجّه في المعادلة؛ من إحداث تحوّل حقيقي وجذريّ في منظومة الأداء العام للدّولة، بما ينسجم وهويّتها الاقتصاديّة العتيدة ويتّسق معها، من خلال إعادة هيكلة الأدوار؛ سواء ما كان منها للمواطن الفرد، أو للمؤسّسات العامة، أو شركات القطاع الخاص ومؤسّساته. وإعادة الهيكلة تتطلب المكاشفة والشفافية في تهيئة المجتمع لتقبّل الفكر الجديد، القائم على الشّراكة في مسيرة التّنمية، والتنمية المستدامة، عبر مواكبة إعلاميّة فاعلة بوسائلها كافّة، ومن خلال حملات تثقيف توعويّة، وباعتماد قواعد جديدة؛ أُسّها: الشّراكة والتّمكين.
ودور الدّولة في هويّتها الاقتصاديّة العتيدة؛ يتحوّل من دورٍ أبويٍّ رعائيّ، إلى دور تنظيميّ؛ تغدو فيه: المُشرع والمُنظم للقطاعات كافّة، وعلى رأسها القطاع الاقتصادي، وتتحوّل مؤسسات الدّولة إلى جهات رقابيّة وتنظيميّة لعمل هذه القطاعات، بينما تترك للقطاع الخاص مسؤوليّة تنفيذ المشروعات وفق آليات السّوق، وتحتفظ الدولة لنفسها بواجب الدّعم والرّعاية الاجتماعية والصّحية لمستحقيها من الفئات، وعلى أساس من العدالة لا المساواة، إذ لا يستوي هنا، في منطوق الدّعم وعدالته: الثريّ مع الفقير، أو العامل مع ربّ العمل.
كما لا تستوي المؤسّسات الناشئة التي تحتاج إلى الدّعم والتّحفيز- عبر القوانين والتّشريعات المُيسّرة- مع المؤسسات والكيانات التّجارية الكبرى، التي لطالما أفادت ولعقود طويلة من الدّعم الحكومي السّخي.
والحال أنّه يترتّب على الحكومة انتهاج الواقعيّة، والمسارعة إلى تحديد ملامح هويّتنا الاقتصادية، وتحصينها بحزمة تشريعات، تُمكّن القطاع الخاص من التّصدي للدّور المنوط به في عملية التّنمية المستدامة، على التّوازي مع إنجاز قانون استثمارٍ عصريّ، كاسرٍ للبيروقراطية المقيتة، جاذبٍ للرّساميل، كافلٍ لتوطينها، وضامنٍ لها..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com