الاختراق “دراسات سياسية”
يعود بنا الكاتب كمال طهبوب في كتابه المعنون الاختراق.. “دراسات سياسية” الى فترة تاريخية مزدحمة بالأحداث المهمة يوردها لأنها على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بما جاء لاحقاً، وبما نعيشه اليوم من تلك الأحداث فترة الاحتلال العثماني لبلادنا والثورة العربية الكبرى، وصولاً إلى جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية ومارافق ذلك من مؤامرات التقسيم، كما يضيىء على دور حزب البعث العربي الاشتراكي ومنظومة المؤسسات الفاعلة التي أوجدها الرئيس المؤسس حافظ الأسد والتي أثبتت دورها وحضورها كحصن منيع في وجه الأطماع الغربية –الصهيونية، ويتوقف عند الحركة التصحيحية وحرب تشرين التحريرية وما تحقق من منجزات كانت من المحرضات للمعسكر المعادي لاتخاذ إجراءات معادية تتلخص في الحرب الأهلية في لبنان، ومؤامرة الإخوان المسلمين في سورية والحرب العراقية الإيرانية واحتلال الكويت وصولاً إلى الاحتلال الأمريكي للعراق، ولا يربط الكاتب الحرب على سورية بإطارها المحلي والإقليمي بل بالدولي أيضاً حيث يقف عند أهم الأحداث على مستوى العالم والتي عجلت في قرار الحرب على بلدنا منها (شعور الأمريكي -الغربي -الصهيوني بأن سيطرته باتت تنفلت بعد ظهور الماردين الروسي والصيني من جديد على الساحة، وكذلك انتصار بعض الأنظمة التحررية في فنزويلا وصمود كوبا وانتشار النزعة الاستقلالية في الهند والبرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا).
لا يحاول الكاتب فرض وجهة نظره الخاصة على القارئ بل يعتمد أسلوب تقديم المعلومة وعرض وجهات النظر المختلفة مع مناقشتها منطقياً، وعرض الحقائق ليترك للقارئ حرية الوصول إلى تقييم حقيقي وموضوعي لما قرأ وبناء حكم مستقل يفضي إلى قناعة بما وصل إليه المؤلف من نتائج في مراحل لاحقة وبرز هذا في أكثر من موضع من الكتاب، منها عندما ناقش موضوع ماسمي “بالربيع العربي” واعتباره من قبل البعض “ثورة” هنا طرح الكاتب عدة تساؤلات كانت الإجابة عنها كافية للوصول إلى الحقيقية من قبيل لماذا اقتصر ماسمي بالربيع العربي على أقطار محددة وهو يقدم تحت ستار الديمقراطية؟ ولماذا لم يشمل أقطار تسودها أنظمة ملكية أو أميرية استبدادية وأية ثورة تدعمها وتسوق لها أنظمة الاستبداد ويدعمها الاستعمار الغربي وتقودها التنظيمات الإرهابية التكفيرية، ويبرز ذلك أيضاً عند توصيف الكاتب لما جرى في سورية بأنه عدوان وحرب كونية من خلال الأدلة يوصلنا إلى أن ما حدث كان (عدوان كامل المواصفات احتاج لأحداث الربيع الصهيوني كمدخل إعلامي لتسويغ جرائمه) ويؤكد الباحث على الدور الريادي لسورية كدولة عظمى يجب ألا تتهاون وتتواضع بأحقيتها كدولة صانعة للتاريخ، والدليل الصمود التاريخي بفضل حكمة سيد الوطن وتضحيات الجيش العربي السوري وصمود الشعب ووقوف شرفاء العالم مع هذه القضية العادلة، لذا من المهم أن نعطي لأنفسنا القيمة التي نستحقها بالفعل ويختم الباحث كتابه بعبارة (ارفع رأسك أيها الإنسان بسورية الأسد) التfdghي تختصر الدور الذي قامت به سورية عبر سنوات الحرب الكونية عليها في الدفاع عن قيم الحضارة والإنسانية جمعاء.
لم يعتمد الكاتب عبر صفحات كتابه تقديم الأحداث في ترتيبها الزمني بل مازج بين مراحل تاريخية مختلفة بما يخدم الفكرة ووجهة النظر التي أراد إيصالها للقارئ، واعتمد الأسلوب السردي في تقديم المعلومات وربما استمده من تجاربه في عالم الرواية، وحاول أن ينقل إلينا الكثير من التفاصيل والمعلومات التي قدمها بطريقة مكثقة لا تخلو من التشويق بعيداً عن التنظير واللغة الجافة صفحات الكتاب الـ 114 على قلتها مقارنة بحجم المعلومات الكبير اختصرت مرحلة تاريخية مهمة تداخلت فيها أحداث الماضي والحاضر ورؤية الكاتب للمستقبل.
جلال نديم صالح