المؤامرة الأمريكية القذرة في العراق
إعداد: لمى عجاج
في كل مرة تتحوّل فيها الاحتجاجات السلمية إلى عنف يجتاح أي بلد تكون للأيادي الأمريكية القذرة علاقة فيه. فقد أثبتت شهور من الاحتجاجات في هونغ كونغ ضلوع الولايات المتحدة فيها، بعد أن تأكدت حقيقة الأنباء عن اجتماع العناصر المحلية المعنية في هونغ كونغ مع نظام ترامب ومسؤولي الكونغرس وكذلك مع القنصلية الأمريكية ليتبدّد أي أثر للغموض أو الالتباس.
كذلك الاحتجاجات العنيفة في بغداد وأماكن أخرى في العراق والتي أسفرت عن مقتل المئات وجرح الآلاف، وكانت قوات الأمن بين صفوف القتلى والجرحى، والتي ذكّرتنا بما كان يُعرف “بالثورات الملونة” التي نظمتها الولايات المتحدة في أواخر 2013 وأوائل 2014 في أوكرانيا. كانت الاحتجاجات في “يورو ميدان” الميدان الأوروبي تدور حول استبدال الحكم الديمقراطي المستقل بحكمٍ فاشيّ موالٍ للغرب الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة. أُلقيت المسؤولية آنذاك على روسيا والرئيس الأوكراني يانوكوفيتش بعد أن اتهموه زوراً بإطلاق نار القناصة على المحتجين والشرطة لتسفر حينها عن مقتل نحو مائة شخص وإصابة البعض بجروح. وقتها قال وزير الخارجية الأستوني آنذاك أورماس بيت: “لدينا الآن وعي قويّ وأكيد بأن يانوكوفيتش لم يكن وراء هؤلاء القناصة، بل كان شخصاً من الائتلاف (الانقلابي) الجديد، وأن جميع الأدلة تشير إلى أنهم كانوا يطلقون النار على أشخاص من الجانبين، بمعنى أنهم استهدفوا الشرطة والمتظاهرين”.
أشارت الدكتورة أولغا بوغوموليتس في كييف إلى الفكرة نفسها واستشهدت بالصور لإثبات صحة كلامها، وأرفقت حديثها: “من المرجح أن يكون القناصة قد قاموا بتجنيد النازيين الجدد، جاءت الطلقات من مبنى أو أكثر يطلّ على الميدان، وكان القناصة بالأسلحة الآلية في الداخل، شاهدهم شهود العيان وهم يغادرون قاعة أوركسترا المنطقة يحملون حقائب على الطراز العسكري تُستخدم لبنادق قنص وهجوم مزودة بأجهزة رؤية بصرية”. كما أكد رئيس جهاز الأمن الأوكراني السابق ألكسندر ياكيمينكو ما حدث وبأن الواقعة قد تمّ التخطيط لها مسبقاً، وشدّد على أن العناصر المعنية قد نفّذت كل أوامر قيادتها -الولايات المتحدة-.
فهل ما يجري في بغداد وأماكن أخرى في العراق يشبه احتجاجات هونغ كونغ وانقلاب نظام أوباما في أوكرانيا، مخطّط مدبر من مخططات الولايات المتحدة الأمريكية؟!.
لا أحد ينكر أن لدى العراقيين شكاوى مشروعة، لكن ما يجري من أحداث في أغنى دولة بالنفط والتي تتمتّع بخامس أكبر احتياطيات في العالم لم يعد بالإمكان السكوت عنه، فالعراق دولة غنية لكن الناس العاديين عرضة لقسوة الليبرالية الحديثة. وهنا تكمن المعضلة، فما يشهده العراق من أعمال عنف تسبّبت في سقوط الآلاف من الضحايا واقتحام العشرات من المباني العامة والخاصة وإضرام النيران فيها، ورفع الأعلام الحمراء في ما يشبه -سيناريو مفتعل- يؤكد وجود أيادٍ خارجية قذرة استغلت هذه الشكاوى لتأجيج الوضع.
نفى سعد معن المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية استخدام قوات الأمن للنيران الحيّة على المحتجين، مضيفاً: إن “الأيدي الخبيثة” استهدفت عموم العراقيين والشرطة وغيرها من القوات الحكومية. ورداً على مطالب المحتجين قامت الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بإصدار حزمة من القرارات تضمّنت مجموعة من الإصلاحات التي شملت توزيع الأراضي وزيادة مدفوعات الرعاية الاجتماعية للأسر المحتاجة، وتخصيص 100000 وحدة سكنية جديدة واستحقاقات للعاطلين عن العمل، وقرّر مجلس الوزراء اعتبار ضحايا التظاهرات “شهداء” ومنح أسرهم مزايا خاصة.
ربما كان النظام الأمريكي غاضباً بسبب قيام مهدي بإلقاء اللوم على الكيان الإسرائيلي في مواقع التفجيرات الإرهابية في العراق، وفتح معبر القائم بين العراق وسورية، وإبداء الحكومة العراقية اهتمامها بشراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400 ومعدات عسكرية أخرى، وأيضاً من العلاقات المشتركة مع الصين والتعاون القائم لبناء البنية التحتية المدمّرة بفعل الحرب، واختيار شركة ألمانية بدل الأمريكية لمشروع خاص بالكهرباء، كل هذه الأسباب مجتمعة كانت السبب في إثارة حنق الولايات المتحدة الأمريكية. ولعلّ أكثر ما أغضب إدارة ترامب تطبيع العلاقات بين إيران والعراق، فبغداد تعتمد بشكل خاص على طهران في حقلي الغاز الطبيعي والكهرباء بحكم الحدود المشتركة بين الدولتين.
لقد حاول مهدي أن يبقى حيادياً لتجنّب المزيد من الصراع الإقليمي، لكنه كذلك تجنّب التحالف مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي ومملكة آل سعودية ضد إيران، مما أثار نقمة الإدارة الأمريكية عليه. لذلك رجحت العديد من المصادر الإعلامية العربية وغيرها من المراقبين المستقلين وقوف نظام ترامب وراء أيام من الاحتجاجات العنيفة في العراق بمساعدة عناصر داخلية تمّ تجنيدها بالوكالة لخدمة مصالحها في زعزعة استقرار العراق.
إن حرب الولايات المتحدة المزعومة ضد الإرهاب لم تستنفد جميع موارد العراق فحسب، بل أجبرته أيضاً على اقتراض مليارات الدولارات لإعادة بناء قوات الأمن والاحتياجات الأساسية الأخرى. ولازالت الولايات المتحدة سائرة في مخططها الساعي إلى السيطرة الإقليمية بلا منازع على جميع الجبهات، العراق وسورية واليمن وصولاً إلى آسيا الوسطى وشمال إفريقيا، دون أن نغفل حرب الإرهاب الاقتصادي على إيران مدفوعاً بالرغبة ذاتها في السيطرة والهيمنة وزرع الفوضى.