الغارة على “البغدادي” والنفط.. و”الدستورية”
على الطريقة الهوليوودية المعتادة أنهى ترامب مهمة “الخليفة” البغدادي و”شطبه” من سجلات الرواتب السرية لعملاء وكالة المخابرات المركزية، وأعلن، في الخطاب نفسه، أنه سيأخذ “حصته” من النفط السوري، وخطوته الأولى في سبيل تحقيق ذلك “حماية الثروة النفطية السورية” لكن، وكعادة القراصنة، من ملّاكها الأصليين: سورية وشعبها!!، فيما الخطوة الثانية عقد صفقة مع شركات أمريكية – حدد إحداها بالاسم – للمساهمة في هذا النهب الفاجر المعلن، وأضاف على طريقة “الكاوبوي” في أفلام الويسترن الشهيرة إنه سيبارز بالسلاح كل من يرفض هذه “البلطجة العلنية”.
وإذا كان من العبث الكلام عن موقف الشرعية الدولية والمجتمع الدولي وقانونه، الذي لا يطبّق إلّا على الضعفاء، إلّا أن لبلطجة ترامب الجديدة، كما لتراجعه قبلها عن الانسحاب الكامل من سورية، آثاراً سلبية على مجمل الوضع في المنطقة والعالم، وهو ما رأينا طرفاً منه في شن “البعض” غارتهم السرية الخاصة على “اللجنة الدستورية” العتيدة عن طريق إثقالها بالإشارات التهويلية ما لم تحقق أهدافهم وشروطهم المسبقة، وذلك، في علم الحوار والتفاوض، شرط نافٍ لأس وجودها وتشكيلها، وبالتالي إما تحقيقها شرط “الركوع والاستتباع” أو استخدام جلساتها كوسيلة لتقطيع الوقت انتظاراً لمرحلة أخرى أكثر مناسبة لتحقيق رهاناتهم وأحلامهم، في ظل حقيقة وقوف العالم، بفضل ساسة “التويتر” و”البلطجة”، على حافة حقبة زلازل كبرى قد تؤدي إلى تغييرات كبرى في الجغرافيا والاجتماع البشري والسياسي في آن معاً.
من هنا، وفي هذا السياق الدولي القلق، تبدو اجتماعات “الدستورية” التي تنطلق غداً في “جنيف” فرصة تاريخية سورية، إن صدقت النوايا، لتحقيق خطوة متقدّمة في مسار إنهاء نهر الدماء من جهة أولى، وإخراج البلاد من “مجاهل” التدخل الخارجي من جهة ثانية، بشرط وقوف السوريين هناك أمام ضمائرهم ومسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية، ووجه التفاؤل هنا، وإن كان يبدو ساذجاً في التحليل السياسي، هو حقيقة أن مسار “اللجنة”، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، سيكون بقيادة السوريين وملكاً لهم فقط، من دون تدخل خارجي أو أطر زمنية مفروضة من الخارج، فيما ليس للمنظمة الدولية، ومبعوثها، سوى دور الميسّر، أي إن “بعض السوريين” سيكون للمرة الأولى أمام إمكانية العمل السياسي الواقعي الذي لا يعترف بالشروط المسبقة أو الأوهام التي غمرتها العناكب بخيوطها خلال السنوات الماضية.
وبهذا المعنى، يفترض، أن يبدأ السوريون، غداً، مسيرة طي صفحة الحرب في سورية وعليها وفتح صفحة جديدة باتجاه المستقبل، مسيرة يتم فيها تفكيك واع ومسؤول لمقوّمات استمرار الأزمة، وهذا يحتاج أولاً إلى تكريس عقلية المشاركة على عقلية الإقصاء، عقلية الاستقواء بالسوري وليس بخارج لا يريد إلّا استلاب قرارنا الوطني، وبالتالي نهب ثرواتنا البشرية والمادية، والأهم، فيما نرى، ترسيخ شأن الشق المعرفي للديمقراطية لا السياسي فقط، وإلا لن يكون لديمقراطية الصناديق، ولا “لإشراف الأمم المتحدة”، كما يريد البعض، إلّا إعادة إنتاج المشكلة، ولكن هذه المرة تحت يافطة ديمقراطية شكلية لا أكثر ولا أقل..!!.
هي، إذاً، فرصة تاريخية، وبالطبع لن يكون من السهل استثمارها بالسرعة المرجوة لأسباب عدة، منها أن البلاد لا تزال تعاني من الإرهاب المقاد خارجياً من جهات معروفة – وقتل “البغدادي” لا يعني نهايته، بل نهاية مرحلة منه وبداية أخرى بوجه جديد – ومنها أن الثقة معدومة بأطراف تابعة علناً لجهات خارجية، وهي تمثّل، بالتالي، مصالح هذه الجهات في “الدستورية” لا مصالح الشعب السوري الحقيقية، الذي يعود إليه وحده – وذلك رهاننا الحقيقي – الموافقة أو عدمها على مخرجات ونتائج عمل “اللجنة”.
وبالمحصلة “اللجنة” خطوة هامة، وليست أولى – فقد سبقتها وسترافقها وتتلوها عملية مكافحة الإرهاب – على الطريق للخروج من الأزمة، وغداً سنبدأ في اكتشاف جدية “البعض” في إكمالها.. وإن غداً لناظره قريب.
أحمد حسن