التّهرّب الضّريبي: هل من مفرّ؟
أمّا وقد تمخّض اجتماع رئيس الحكومة بالمعنيّين بالضّرائب والرّسوم، وبحضور اتّحادات غرف التّجارة والصّناعة والسّياحة؛ عن: ضرورة تصويب الخلل والفساد في حالات التّهرب الضّريبيّ عند كبار المكلّفين لتحصيل مستحقات الدّولة وتوظيفها في التّنمية الشّاملة، وتشكيل لجنة تفتيشيّة من وزارة الماليّة والهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش والجهاز المركزي للرّقابة الماليّة للبحث في أسباب التّراكم الضّريبي غير المنجز لكبار المكلفين في المحافظات، وأسباب هذا التّراكم ليصار إلى معالجته ومحاسبة المقصّرين.! كما انطوى على: طلب رئيس الحكومة إلى وزارة الماليّة موافاة مجلس الوزراء بذاتيّات مراقبي الدّخل للتّدقيق في نزاهتهم..! ما يفتح بيكار السّؤال واسعاً عن “قلاعنا” الرّقابية المُفترضة في رقعة شطرنجنا الإدارية، النّائمة في العسل، وفي المقدّمة منها: “الهيئة” و”الجهاز”؟ اللّتان أُنيطت بهما دستورياً وقانونياً مهام إماطة اللّثام عن لصوص المال العام، وأدوات الفساد الإداري والمالي، ودكّ معاقلهم وحصونهم أنّى وجدت.
إذ لطالما استحضر ذكرهما واقع الفساد الإداري المشهود في أجهزتنا الضّريبيّة، المتواطئة في كثير من مفاصلها، مع كبار المكلّفين من حيتان المال والأعمال، والذي يفوّت على الخزينة بإجماع المتخصّصين الاقتصاديّين ما يزيد على 600 مليار ليرة كتهرّب ضريبيّ. وكذا واقع التهرّب الجمركي وما تعجّ به أسواقنا من بضائع مهرّبة دونما إجازات استيراد، أو بشهادات منشأ وهميّة تمّ تدليسها في ليل بهيم، وما يعني من ضياع على الخزينة يُقدّر بنحو 500 مليار ليرة، في ظلّ غيابٍ، أو حضور خجولٍ، للجهات الرّقابية بالمطلق، والذي يُعدّ من أهم مشاهد الضّعف في النّظم الإدارية، بعدما استولد كمّاً لا يُستهان به من مظاهر الفساد في يومياتنا المعيشة، وأرخى بظلاله الثّقيلة على الفرد وعلى المجتمع، والتي ما برحت تشكّل عوامل ضعف تُخلخل ثقة الجمهور بالهياكل الرّقابيّة القائمة، وبعائديتها الوصائيّة أو الرّعائية.
وربّ قائلٍ: إنّ وجود هيئات رصينة وشفّافة تحظى بثقة رسميّة وشعبيّة، وبمواكبة صحافيّة وإعلاميّة شفّافة، ديدنها سيادة القانون، ودكّ معاقل الفساد بشتّى صوره وأشكاله؛ من شأنها تعزيز تماسك وقوّة المجتمع، فضلاً عن ترسيخ كرامة المرء في وطن أثخنته جراح الظّلام..!
ما يجعل من الضّرورة بمكان وضع الغزوات الرّقابية لهذه المعاقل تحت دائرة الضّوء الإعلامي لسببين؛ أوّلهما: لما يكتسيه فعل الرّقابة بحدّ ذاته من لبوس وطني بامتياز في هذا الظّرف العصيب الذي تجتازه البلاد؛ وما تواجهه من وضع مالي قاسٍ، ومن أعباء أثقلت كاهل الموازنة، في غمرة التّصدي للإرهاب ومنازلة قوى الظلام التي عاثت ودمّرت بُنانا التّحتيّة. وثانيهما: تحقيق فعل الرّدع الرّقابي والوقائي، وما يستبطنه من طمأنة الجمهور على واقع حراسة المال العام من قبل هذه الأجهزة بما هو صلب اختصاصها..!
والحال أنّ إحالة ملفّ التّهرّب الضّريبيّ لكبار المكلّفين إلى أجهزتنا الرّقابية؛ يجعل هذه الأجهزة اليوم أمام جمهورها العريض؛ في امتحان مشهود، مادّته: استعادة الثّقة المفقودة بها، كما يمنحها فرصةً ثمينة لإعادة النّظر بأدائها وبمخرجاتها؛ بما يُحقّق اجتثاث الفساد، والتّضييق على فرص تفشّيه وانتشاره، وحراسة المال العام، واستعادة المنهوب منه..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com