ترامب يرمي صنيعته في البحر
أعلن مارك ميلي، رئيس أركان الجيش الأمريكي، أن جثة البغدادي قد ألقيت في البحر امتثالًا لـ “قوانين الحرب”، وحسب قوله، فجّر “الخليفة” نفسه بحزام المتفجرات الذي كان يرتديه عندما كان مختبئاً في نفق مع ثلاثة من أبنائه، ثم تمّ نقل جثته إلى مكان آمن لتأكيد هويته من خلال تحليل الحمض النووي، وأكد أن الصور لا تزال تدرس قبل رفع السرية عنها.
وعلى فرض أن البغدادي قُتل فعلاً، وتمّت تصفيته بعدما انتهى دوره تماماً كما تمّت تصفية زعيم “القاعدة” أسامة بن لادن وإلقاء جثته في البحر، حسب زعم الأمريكان، فلا ضير من العودة إلى الوراء قليلاً للتذكير متى ولد هذا التنظيم ومن أوجده، والتذكير بجرائمه الشنيعة بحق المدنيين والعسكريين في سورية والعراق وغيرها من دول المنطقة.
لقد تم إنشاء تنظيم “داعش” في العراق وسورية من قبل الاستخبارات الأمريكية والغربية لتكرار النموذج الليبي في هذين البلدين، وتمّ وضع استراتيجية جديدة له لتدمير سورية بمباركة قرار صادر عن الأمم المتحدة مماثل للقرار الذي تمّ بموجبه قصف ليبيا بوحشية، ولكن هذه الجهود باءت بالفشل لأن روسيا والصين أجهضت أي قرار يسمح بغزو سورية براً أو جواً..
في أوائل 2011 تم نشر أشرطة فيديو على الانترنت للفظائع التي ارتكبها الإرهابيون بوحشية في ليبيا، سواء عبر تعليق المواطنين من أقدامهم على نوافذ المباني أو على الأشجار أو ذبحهم وقطع رؤوسهم أمام الكاميرات. وبالطبع لم يتحرّك الحس الإنساني عند أي من وسائل الإعلام الغربية التي التزمت الصمت، وغضّت الطرف لأنها كانت، باختصار، متواطئة في هذه الجرائم. السيناريو نفسه والجرائم نفسها والمجرمين أنفسهم تم استخدامهم في سورية، لكن وسائل الإعلام وعصابات المافيا السياسية الغربية كان لديها استراتيجية أخرى في التعامل مع الحدث في سورية تتركّز على إخفاء الفظائع التي ارتكبها شركاؤهم على الأرض، والتركيز على محاولة انتزاع قرار أممي لشن عملية عسكرية ضد الإرهاب المصنّع من قبلهم بهدف السيطرة على سورية.
كان على وسائل الإعلام الغربية القيام بالتسويق لهذا التدخل، وتهيئة الرأي العام له من خلال فبركة الصور ومقاطع الفيديو وبثها على مدار الساعة للحصول على موافقة أممية لشن الحرب على سورية، ولهذا الغرض تمّ توسيع تنظيم “داعش” عام 2014، لكن لم يستغرق الوقت طويلاً ففي أيلول 2015، بناءً على طلب الحكومة السورية قررت روسيا دعم الجيش العربي السوري لصد هذه الحرب الكونية. وفي غضون بضعة أشهر توقّف تقدّم الغزاة، وشيئاً فشيئاً سيطر الجيش السوري، بالتعاون مع الحلفاء الآخرين، على أغلب الأراضي السورية، وتمّ تعرية كذبة “داعش”، وهو ما دفع ترامب شخصياً للإعلان عن مقتل البغدادي زعيم التنظيم بعملية كوماندوس شمال سورية بالقرب من الحدود مع تركيا كي يخرج نفسه وبلاده من وزر صنيعته بطريقة هوليودية، ويظهر للعالم أنه وبلاده ضد الإرهاب.
هيفاء علي