إيفان بونين.. ابن الأرض
“إن ذكريات الطفولة ارتبطت منذ كنت في سن السابعة بالحقول وبيوت الفلاحين وساكنيها”. عبارة سيقولها بعد سنين عديدة، الأديب الروسي الذي تحل ذكرى رحيله اليوم، “إيفان بونين” 1870-1953-الحائزنوبل في الأدب عام 1933، فالفتى المنحدر من عائلة نبلاء ينتمي إليها الشاعر والمترجم وأحد مؤسسي المذهب “الرومانسي” في الأدب الروسي “فاسيلي جوكوفسكي”، سيغادر وأسرته وهو في ريعان طفولته المدينة التي شهدت مولده “فورونيج”، إلى قرية “بوتيركي” واحدة من أجمل قرى الريف الروسي، وهناك ستنشأ علاقة متينة بين جغرافيا ذاك المكان، ووعي الفتى الذي جعله خزان ذاكرته، وهو يحفظ ما تتلوه عليه الفصول في قرية وادعة، فتهفو روح الفتى لكل نأمة يفوح عبقها في محيطه، وهكذا ربتّ الطبيعة أديبنا وأوقدت في جوانياته جذوة الأدب.
تلك الرهافة الحسية العالية المزاج، ستصقل حواسه وتُهذب روحه من ثورة المشاعر التي بدأت تضطرب بدواخله، ليصدر أول ديوان شعري له في منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، تلك كانت بدايات علاقة أديبنا بالأدب، الذي جاء بعمومه مُشبعا بأجواء الريف ونقائه، بغضب الطبيعة ورضاها، بزرقة السماء وحلكتها، ببياض الثلج ونقاء الجداول التي تصنعها عندما تذوب في الربيع.
كان “بونين” في طفولته يمضي معظم أيامه بين الأرياف، يقوم برعاية المواشي مع اقرأنه من أبناء الفلاحين، ولتجمعه معهم صداقة ممهورة من الأشجار والينابيع والصخور، وكان أن قام “إيفان” بوصف تلك المرحلة من حياته في رواية “حياة ارسينييف” والتي تُصنف كرواية “سيرة ذاتية”، قائلا: “كنت أُقلد الرعاة وأتناول مع شقيقتي ماشا الخبز الأسود والفجل والخيارات الخشنة والمحببة، ولدى تناول مثل هذه الوجبات من الطعام تشعر وكأنك أصبحت قريبا من تلك الأرض، وكل ما يجري تحسسه وتلمسه”. 1901 نشر ديوانه “سقوط اوراق الشجر” الذي أثار صدى كبيرا لدى النقاد، وفي عام 1903 منح بونين جائزة بوشكين.
حكاية أديب كأديبنا، تؤكد بما لا يرقى إليه شك، أن الجغرافيا، طبيعة المكان، ألفته، الهالة الساحرة التي تسوره، هي واحدة من أهم مكونات الوعي الحسي الفكري، وبالتالي ستكون من مفردات أدبه، بل ودليل أصالته الذي لا يُرد.
تمّام علي بركات