الثقة المفقودة..!
لم تتمكن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من إقناع القطاع الخاص بتسجيل عماله في التأمينات طواعية على الرغم من الإغراءات والتسهيلات التي تقدم لأربابه بين العام والآخر..!
وهاهو ذا رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها يؤكد مجدداً أنه يجب على مؤسسة التأمينات الاجتماعية أن تزرع الثقة في تعاملها مع أرباب العمل..!
السؤال هنا: هل مؤسسة التأمينات تعمل لصالحها أم لصالح العمال..؟
إن زرع الثقة يكون عادة بين طرفين لديهما مشاريع مالية مشتركة بهدف تحقيق الأرباح وضمان تقاسمها بالمساواة أو حسب الاتفاق الموقع بينهما، في حين أن العنصر المشترك بين أرباب العمل والتأمينات هم العمال ولا شيء آخر..!
وبما أن القانون يلزم أرباب العمل بتسجيل العمال، فعن أية ثقة يتحدث الصناعيون..؟
لو أن الاشتراكات التي يدفعها أرباب العمل عن عمالهم تذهب لغير مطارحها المحددة في القانون لوجدنا العذر لعدم ثقة القطاع الخاص بمؤسسة التأمينات..!
والسؤال الفعلي يجب أن يكون: لماذا يتهرب القطاع الخاص من تسجيل العمال في التأمينات..؟
يوحي التهرب أن أرباب العمل لا يهمهم أن يحصل العمال على معالجة الإصابات التي يتعرضون لها خلال العمل وخاصة الذين يعملون في مهن خطرة…!
كما يوحي التهرب أنهم لا يكترثون أن يحصل العمال على راتب تقاعدي أو تعويض نهاية الخدمة…!
كل ما يهمهم ألا يدفعوا حصتهم من تنسيب عمالهم للتأمينات..!
وعندما تتهرب مؤسسات كبرى يحاضر أربابها في الدفاع عن الصالح العام في وسائلهم الإعلامية، وأن شغلها الشاغل المساهمة بتطوير الاقتصاد.. عن إشراك عمالهم بالتأمينات..
وعندما تقتطع مؤسسات أخرى اشتراكات عمالها “النظرية” في التأمينات، وتضعها في حسابها المصرفي وتتقاضى مقابلها الفائدة دون أن تسجلهم فعلياً في التأمينات..
فهذا يعني أن الثقة فعلاً مفقودة ليس في التأمينات، وإنما في القطاع الخاص الذي يشكك بمصداقية وجدوى التأمينات..!
والسؤال هنا: ماذا نتوقع من رب عمل يلزم العاملين لديه بتوقيع استقالة مسبقة للتهرب من دفع تعويض نهاية الخدمة له في حال تم طرده تعسفياً، أو ترك العمل طواعية..؟!
هؤلاء لن يتعاملوا مع التأمينات طواعية حتى لو وافق العمال على دفع اشتراكات أرباب عملهم المستحقة من أجورهم الزهيدة أصلاً..!
جوهر المشكلة ليس انعدام الثقة بين القطاع الخاص والتأمينات، وإنما إصرار أرباب العمل على طرد العمال تعسفياً دون أية تعويضات، والتعامل مع التأمينات يحد من حقهم التعسفي..!
من الغريب أن “يتمنن” القطاع الخاص على الدولة بقول رئيس صناعييهم إنه بدون غرف الصناعة لا تكون صناعة بالبلد ولا مؤسسة تأمينات..!!
والأغرب أن يزعم بأن مؤسسة التأمينات تخلق مناخاً سلبياً للاستثمار على عكس اتحاد غرف الصناعة والحكومة.. ترى هل هو تحريض للحكومة على مؤسسة التأمينات..؟
على حد علمنا أن الدول المتقدمة صناعياً يقوم قطاعها الخاص بتسجيل العمال في الضمان (أي التأمينات)، ويؤمن معالجتهم الصحية وحتى النفسية.. ونسب الاشتراكات عندهم أعلى من سورية.
آخر الذرائع لأرباب العمل والتي عنوانها (انعدام الثقة) هو أن من حق رب العمل إبلاغ التأمينات عن ترك العامل عمله على مسؤوليته ودون شروط مسبقة.!
حسناً.. وإذا لم يقم رب العمل بالإبلاغ ماذا سيفعل العامل “المطرود” أو المستقيل طواعية..؟
أخيراً: لن نعمم، فبعض القطاع الخاص – كالمصارف مثلاً – تقوم بتنسيب عمالها طواعية وتؤمن حقوقهم مثل القطاع العام إن لم يكن أكثر دون أن تشتكي من أن الثقة بالتأمينات مفقودة..!
علي عبود