ثقافةصحيفة البعث

ابتزاز مزدوج

 

جلال نديم صالح

يكفينا اليوم أن نراقب أحد أطفالنا وهو يتابع مسلسله المفضل على شاشة التلفاز لنجده مأخوذاً بما يعرض أمامه غارقاً في الصورة ناسياً ما حوله، ولو دققنا في أغلب ما يقدم من مسلسلات موجهة لأطفالنا سنجدها لا تمت للواقع بصلة بل عبارة عن أشكال مشوهة لمسوخ بشرية أو حيوانية وبعضها يجمع الجانبين، وهي غالباً تمثل بطلاً خارقاً خارج الواقع يتجاوز المألوف ونحن نتابع هذه المسلسلات نسأل أنفسنا ترى أي ذكريات سترافق أطفالنا وسيحملونها معهم لتسهم في بناء جزء في غاية الأهمية من شخصياتهم في المستقبل، فلو قارنا ما يعرض اليوم من موجة مسلسلات الأطفال بالأعمال التي قدمت سابقاً والتي تحتل إلى اليوم مكانة مهمة في وعي من عاصروها بما تحمله من قيم نبيلة كالصبر على المصاعب وتحديها ومواجهة قسوة الحياة، تلك المسلسلات كانت تغذي نزعة الخير والحب في نفوس متابعيها ويكفي أن نستعيد القليل من ذكرياتنا عن سالي أو الليدي أوسكار أو ساندي، بل هذه الأعمال التي كانت تصلح للكبار والصغار معاً بالتأكيد ستجعلنا المقارنة مدركين لحجم الظلم والكارثة بحق أطفالنا، والحكاية لا تنتهي هنا بل تبدأ عند تعلق أطفالنا بما يشاهدونه من أعمال صممت لتستحوذ على اهتمام وانتباه الطفل باستخدام جميع المؤثرات، ومخطئ تماماً من يعتقد أنها صممت ببراءة ويكفي أن نتابع الرسائل السلبية التي تبث من خلالها والتي يتلقفها الطفل دون وعي، هذا التعلق الذي أتحدث عنه يستثمر مرة ثانية بطريقة أخرى لا تقل خطورة عن الأولى من قبل الجهات التي أنتجت هذه الأعمال وروجت لها، وهؤلاء لا يكتفون بالمبالغ الطائلة التي يجنونها من تسويق هذه المسلسلات بل يلجؤون لما يمكن أن نسميه بالابتزاز العاطفي للأهل، ولا أدري إلى أي مدى تصح هذه التسمية، لكن الصورة ستتوضح عندما ندخل إلى أحد المتاجر المتخصصة ببيع الألعاب التي تمثل شخصيات مسلسلات الأطفال الرائجة، والتي أصبح اقتناؤها بالنسبة لأطفالنا حاجة بحكم تعلقهم بها بعد أن تابعوا المسلسلات والإعلانات عنها، طبعاً الطفل سيستغل ببراءة أو بخبث جميع الوسائل المتاحة للحصول على مبتغاه قد يكون منها استدرار العطف وربما البكاء ليجبر أهله على تنفيذ رغبة الطفل بشراء هذه الألعاب التي بمعظمها لا تقدم للطفل أي قيمة أو فائدة تعليمية أو تربوية بل تعزز لديه نزعة العنف بعد أن يصبح البطل المشوه رفيقه الدائم ليس فقط على الشاشة بل حتى في غرفته، والكارثة الأكبر في الأسعار الباهظة لتلك الألعاب والتي تخرج عن المألوف، وهي في الحقيقة لا تستحق ذلك لا من حيث الشكل ولا المضمون، وينادي البعض بعد أن أدركوا حجم الخطر على أبنائهم والذي يتنامى باستمرار بمقاطعة هذه المسلسلات ومنع الطفل من متابعتها لكن في عصر الفضائيات قد يكون هذا من ضروب المستحيل والحل لن يكون بالمنع بل بتوفير البديل من مسلسلات تعزز قيم الحب والتضحية واحترام الآخر، وبالتأكيد هذا يحتاج لميزانيات كبيرة ولأخصائيين والأهم لإرادة حقيقية لكنها تجربة على صعوبتها تستحق المحاولة والتنفيذ.