ثقافةصحيفة البعث

لوحات ذات معنى

 

يتجوهر الإبداع فيض شذرات تتماوج سحراً وبهاءًعبر أطيافٍ من تناغمٍ لكأنه ولادات متجددة يتداخل فيها لألاءُ الضوء الطالع من خدر بوح الدجى , وشفيفِ الأرجوان الناهض بمياسم الورود مدى البصر ألواناً يفترُّ ثغرُ الجمال معبراً عن دهش جمالها بألف كلمة , ودنيا من عبارات , ورذاذ هو شهد الرضاب في أكمام الورد النافح طيباً غنى كرََمٍ يعانق اتساع الآفاق , وصدى أصوات يتماهى فيها نغم الجمال عوالم من تفكّر واعتبار ما بين ارتعاش وتر هزّه الوجد على شده الوجدان , وقد ارتحلت به الانغام إلى حيث الرؤى و أبهاء تداعيات السراب البعيد , و حذاقة الحرف يتنسّم عبق القريحة فيه تهجّد كفاح و إرادة حياة في كل علم وفن ولون , وقد غدا مع غيره كأنه واسطة عقد لطوق من ياسمين يرصد عناق ذرة تراب وقطرة ماء وقدح إبداع , وتوق رغبة ونهوض مَعْلَمٍ في كل جانب من جوانب الحياة تشمخ فيه نخوة البناء السامق صوب كلّ ما يفرح القلب , ويسمو به الإنسان.
وريشة تهفو في ارتعاشات ذوائبها وشوشات من تملٍّ تعشقه الأذن , وتطرب له الروح , وتعجب من زركشاته فضاءات الألوان عبر رسومات يغتني بها الخيال فتتشوف البصيرة الرافلةُ بأثواب الاعتزاز بفرح الإبداع حرفاً وريشة ووتراً لكأنها جميعها روافدُ عناقُها بحيرة تضاحك زرقة السماء صفاء إبداع وابتكار في اللون والصوت والكلمة ,كلّ ذلك عبر لوحات ,هي ذات معنى.
لم ينس ذلك المصري القديم , وقد حضرته سكرات الموت و إلى جواره كثيرٌ من أهل و أحباب ان يشكر ربه أنه على الرغم من عمره المديد لم يلقِ شيئاً في نهر النيل ,دون أن يملي عليه أحد ذلك , إنما هو قناعة إيمان أنّ الجمال صدق سلوك , وحفظ ماء نبيل لوجه القناعة التي يجب أن تكون عزيزة علينا.كانه أراد ان يقول.
كئيباً عندما صعد الحافلة ,وقد اسودت الدنيا في وجهه ,وأضواء المدينة في ذاك الشتاء كانت ترسم ظلها على مساحات مما جاد به غربال السحاب حيث المطر الدافق مساكب مساكب من عطاء, لكنّه ما إن اصاخ السمع إلى سائق الحافلة حتى بدأ الاكتئاب ينقشع رويداً رويداً بفضل ما أضفاه ذلك السائق من طرافة فيما كان يتحدث به وقد غلّف ذلك بسرعة بديهة وفطنة نباهة ومرامٍ لأبعد ما تتسع له الكلمات.. فتمنى ذلك المكتئب لو يطول الدرب وقد جافاه الاكتئاب , وأسعده رقي سائق الحافلة الذي قدم من فيض دعابته ما يتجاوز كلّ كَرَمٍ. إنه كرم الروح والمحبة و إن الحياة فرصة غناها كثير من ابتسامات وقليل من دموع.
انشرح صدر ذاك المعلم عندما أراد تحقيق تقويم نهائي لدرس في العلوم عن البط وقد قارب نقاطه التعليمية محتفياً بسعادة أدائه للواجب , لكنه عندما وقف تلميذٌ يسأله عن أمر لم يأتِ الدرس عليه وقف وقد تملّكته الحيرة لأنّ الدرس لم يذكر ما أراده التلميذ وهو الذي اغتنى بالبيئة الريفية حيث حيوية الريف , وعندما أجاب زميل له شكره المعلم ولسان حاله يمتح من خاطره أن الحياة ترفدنا أيضاً بأشياء لواقع خصوصية المكان ما يغدق معرفة على معرفة. و إذا ما كان المنهاج يعلم المعلم والمتعلّم معاً فإنّ المعرفة بأبسط دقائقها أيضاً تعلمنا….
مستغرباً كان المفتش التعليمي / كما كان يسمى/ عندما أراد حضور حصة درسية ولم يجد المعلم في الفصل ( الصف) وعندما واجه الناظر بذلك حنق سائلاً تنسيق الكلمة الفرّاش عن المعلم والتلامذة , فكان الجواب أنه يعطي الدرس في الهواء الطلق , وعندما وقف المفتش والناظر وجدا المعلم , وقد تحلّق التلامذة حوله يجسّم مجرى نهر النيل وتلميذ يسكب الماء تزفه نظرات أترابه وهو ينحدر واقعاً صوب دمياط والرشيد , فلاك لسان المفتش بعض عباراتٍ كان تجهّم المعلم صدى حزن اغترابه لأنه اجتهد في غير لحظة لم يجد لها ذاتاً تقدرها ولا فسحة اتساع لها تربّت على كتفيها…..
/ أرم سترونغ/ لم يشعر أنّ للغرور مكاناً في صناعة جناحين له في الشكل , وهو الذي كان له قصب السبق في الوصول إلى القمر إذ كفاه أنّه ترك وشمأ مطرزاً بالمبادرة على جبين الذاكرة البشرية في حقيقة ما أنجزه لذلك عندما سألوه كان جوابه بتواضع جمّ أنها خطوة لرجل , لكنها خطوة أولى للبشرية. لكأنّ النجاح الحق هو في ارتياد كل ما يخدم الإنسان في مواجهة كل تحدياته الكبرى عبرفلسفة البناء والحياة لا في التسليح , وحرب النجوم وصراع اشاعة الموت على حساب منطق الحياة.
صدقت ( عصام ) عندما قال لها “الحارث” ما وراءكِ ياعصام ؟ عندما قالت: / صرّح المخض عن الزبد/ فراحت تصف جمال تلك المراة ذات الجبهة الصقيلة والشعر الحالك كأذناب الخيل والحاجبين الذين كأنما خُطّا بقلم أو سوادٍ بحُمَم.
فأتى الصدق قطوفه الدانيات فزها تلاقي الصيت الحسن مع حسن الجمال , ورونق الخلق وقبل أن تصل قدماها بيتها الجديد ثمة نصائح وعبارات هي معايير في حسن التوجيه والإرشاد , وهي مداميك عمارة لأم تنشد عمران بيتٍِ فيه إشراقات المحبة والنبل وحنو الأم الرؤوم , هي الأمومة في وعي سعادتها.
يطلع جميلاً من بين جنبات التراث قول ” الجاحظ” : إنّ السامع لا يقلّ ذكاء عن المتكلم… فدلالة ذلك تفتح في وعينا روعة إدراك كم تتسع مدارات الحياة لتبادل قيم الوعي الجمالي مثلما غناء الديم السكوب في غدق خيرها مطراً فتحاكيها الأرض شدو ينابيع وسرح أنهار و أزاهير على الضفاف , ومساكب خير على مطلول الأحلام , مثلما هو إصغاء مرسلٍ لمتلقٍ, فالحياة تواصل لقاء بلقاء.
إنها لوحات فيها كثير من وميض الدلالة تشعّ ألقاً على جدار معرضٍ لصور و أقمار, وما يستمطر في صدى ذلك تأملاً هو نفح طيبٍ على محيّا الجمال.
نزار بدّور