“الهولوكوست الصامت”
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع كومن دريمز 16/11/2019
أعرب الرئيس بيل كلينتون أثناء زيارته لأربع دول في أمريكا الوسطى في 11 آذار عام 1999 عن أسفه للدور الذي لعبته الولايات المتحدة خلال حملتها الوحشية لمكافحة الإرهاب، والتي تسببت في مقتل آلاف المدنيين في الحرب الأهلية في غواتيمالا.
وجاء اعتذار كلينتون عقب نشر النتائج التي توصلت إليها لجنة التوضيح التاريخي المستقلة، والتي خلصت إلى أن دعم الحكومة الأمريكية للجيش الغواتيمالي كان مسؤولاً عن معظم انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال الحرب التي استمرت 36 عاماً راح ضحيتها 200000 شخص.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتدخل فيها الحكومة الأمريكية في شؤون غواتيمالا بكل تلك الوحشية. ففي عام 1954، نفذت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عملية سرية أطاحت من خلالها بالرئيس الغواتيمالي المنتخب جاكوبو أربنيز.
كان الانقلاب الذي ثبّت كارلوس كاستيلو أرماس الأول ضمن سلسلة من الأنظمة الاستبدادية التي دعمتها الولايات المتحدة في غواتيمالا، وتلت الجهود الأمريكية لعزل غواتيمالا دولياً.
سرعان ما فرض جيش كاستيلو أرماس سلطات ديكتاتورية، وحظر أحزاب المعارضة وسجن وعذب المعارضين السياسيين، وألغى الإصلاحات الاجتماعية لحكومة أربينز. تلا ذلك أربعة عقود من الحرب الأهلية، بين اليساريين وسلسلة من الأنظمة الاستبدادية المدعومة من الولايات المتحدة، وكانت النتيجة إبادة جماعية لسكان المايا في البلاد، حيث قُتل مايزيد على 200000 من السكان الأصليين من قبل الأنظمة العسكرية الغواتيمالية التي تدعمها الولايات المتحدة.
كما حدث في غواتيمالا، دعمت الولايات المتحدة أيضاً الحكومة العسكرية في السلفادور وجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني، حيث قدمت مساعدات عسكرية بمبلغ يتراوح بين مليون ومليوني دولار يومياً. تولى الضباط الأمريكيون مناصب رئيسية على أعلى المستويات في الجيش السلفادوري واتخذوا قرارات حاسمة في إدارة الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من 12 عاماً (1979-1992) وأسفرت عن مقتل مايزيد عن 75000 شخص .
وبحسب الأمم المتحدة، فإن جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني ارتكبت 5 بالمئة من جرائم قتل المدنيين في الوقت الذي ارتكبت فيه القوات المسلحة السلفادورية وفرق الموت شبه العسكرية 85 في المئة من هذه الجرائم. كانت فرق الموت تقوم بتشويه جثث ضحاياها كوسيلة لترويع السكان، ويذكر إن ما يسمى بكتيبة مشاة أتلاكاتل، التي قتلت بوحشية وشوهت ستة من القساوسة، كانت تحت وصاية القوات الخاصة الأمريكية قبل 48 ساعة فقط من قتلهم.
كانت تربط هندوراس علاقات عسكرية قوية مع الولايات المتحدة، وفي عام 2009 تمت الإطاحة بالإصلاحي الليبرالي “مانويل زيلايا” بواسطة انقلاب عسكري. ورفضت الولايات المتحدة وصفه بانقلاب، بينما كانت تعمل على ضمان عدم عودة زيلايا إلى السلطة، وذلك في انتهاك سافر لرغبات منظمة دول أمريكا الوسطى.
اليوم تعاني البلاد من الفوضى، فعصابات العنف تنتشر في كل مكان، بينما ينخفض الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم. هذه الملاحظات ذات صلة وثيقة جداً بالأحداث التي تجري اليوم. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 70 في المائة من الأطفال الذين عبروا الحدود الأمريكية المكسيكية في عام 2014 جاؤوا ما يُسمى المثلث الشمالي لأمريكا الوسطى، أي غواتيمالا، السلفادور وهندوراس وهذه الدول الثلاث عانت من تدخل الولايات المتحدة في شؤونها الاجتماعية والسياسية. في الحقيقة منذ القرن الماضي، لعب التدخل العسكري الأمريكي، خاصةً الإطاحة بالحكومات المنتخبة ديمقراطياً – أو عبر دعم الأنظمة الاستبدادية – دوراً كبيراً في عدم الاستقرار والفقر والعنف الذي يدفع عشرات الآلاف من الناس من بلدان أمريكا الوسطى نحو المكسيك والولايات المتحدة. ولاشك أن للتدخل في شؤون البلدان الأخرى آثاراً طويلة الأمد بشكل خاص عندما ينظر المرء إلى ما حدث في أمريكا الوسطى، ولعله من السذاجة أن نتجاهل كيف ساعد تدخل الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى على خلق الوضع الذي ابتليت به المنطقة اليوم.