موجة فوضى جديدة تجتاح العالم
إعداد: هيفاء علي
تشهد منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم موجة جديدة من الهندسة الاجتماعية للفوضى التي تعمل واشنطن على نشرها وتعزيزها من خلال وسائل العقوبات الاقتصادية بهدف دفع السكان للغضب من حكوماتهم في معظم بلدان العالم، ففي الوقت الراهن نشهد شكلاً قاسياً من زعزعة استقرار هياكل الدولة في العراق وإيران، وهما دولتان رئيسيتان منتجتان للنفط، للأسف، أثبتت زعزعة الاستقرار هذه فعاليتها في بوليفيا، حيث أجبر الرئيس ايفو موراليس على الفرار إلى المكسيك.
حالياً تنتشر الموجة الجديدة في عدة بلدان، منها الأرجنتين، حيث الاقتصاد الهش للغاية، والزيادة المستمرة في الأسعار، وهما عاملان لعدم الاستقرار الاجتماعي المزمن، وهناك احتجاجات على خلفية الانهيار الاجتماعي، كما أنه بلد ضعيف معرّض لثورة ملونة، ومعرّض في أية لحظة كي يكون مقطوع الرأس.
وفي بوليفيا نجح انقلاب نظمه كبار ملاك الأراضي ووكالة الاستخبارات المركزية، كما حدث في الأيام الخوالي في الإطاحة بالرئيس ايفو موراليس على خلفية التشكيك بنتائج الانتخابات الأخيرة، وسرعان ما ظهرت فرق الموت التي تهدد حياة السكان الأصليين الذين يمكن أن يقولوا وداعاً لتحريرهم، وهو سيناريو كلاسيكي يستحق إخراج فيلم عن ثورة “زاباتا” في المكسيك في بداية القرن العشرين، ولكن بكل الأحوال النظام البوليفي الجديد لن يدوم طويلاً.
أما موجة الفوضى الجديدة في البرازيل فتتخذ شكلين متناقضين ومتوازيين، فمن ناحية تتفاقم الفجوة بين اليسار واليمين على خلفية فشل جميع الإصلاحات الاقتصادية، والوقف التام لجميع أشكال الكفاح ضد الفساد، ومن ناحية أخرى صعود الجريمة المنظمة وتقاربها مع الشركات الكبرى في التنافس من أجل استغلال الموارد الطبيعية الغنية للأمازون، وتشكّل الحلقة الأضعف لمجموعة “البريكس” التي تضم إلى جانب البرازيل كلاً من: روسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا.
وفي تشيلي فإن المظاهرات، ومستوى عدم الاستقرار خطيران للغاية بلغا حد إلغاء عقد مؤتمر حول المناخ، ونقله إلى مدريد، وحتى الآن جرح أكثر من 10000 شخص، وآلاف الاعتقالات، تضرب الشرطة بقوة، ولا يبدو أن هناك حلاً سياسياً في الأفق، ومستوى العنف المحتمل شديد في هذا البلد مع التاريخ الحديث المضطرب.
وفي كاتالونيا هناك رغبة في الاستقلال ليست جديدة، لكنها سلسلة من الأخطاء في إدارة الأزمة التي نشأت بعد استفتاء وصفته مدريد لاحقاً بأنه غير شرعي، ومحاولة أدت الفتنة فيه إلى تفاقم المشاعر في بلد لا يمكن فيه نسيان جراح وويلات الحرب الأهلية الرهيبة التي وقعت عام 1936، حالة كاتالونيا تثير قلق جميع بلدان أوروبا بشأن اليقظة المحتملة للمناطق التي لن تتردد خدمات الامبراطورية الخاصة باستخدامها في حالة الحاجة “الاستراتيجية”، وهكذا يمكن أن تضطر أوروبا إلى الانتقال من الاندماج عبر الوطني إلى الانقسام دون الوطني.
وفي الاكوادور شهدت هذه البلاد تحولاً جذرياً في معسكر الامبراطورية، وأصبحت “سلفادور” ثانية، الفساد واسع النطاق للنخب الحاكمة في هذا البلد لا يسمح لها بالاستقلال عن واشنطن.
وفي حالة العراق تتعدد الأطراف الخارجية التي من مصلحتها انتشار الفوضى والمظاهرات الدامية في العراق، وواشنطن ومملكة آل سعود في مقدمتها، أما في اليمن الذي يتعرّض لعدوان وحشي تقوده مملكة آل سعود منذ أكثر من خمسة أعوام، فقد دمرت البنية التحتية في البلاد عبر استهداف المدارس، والمستشفيات، والمراكز الصحية، والبنوك، وانتشرت الأوبئة والأمراض التي طالت الأطفال بشكل خاص جراء التلوث، ونقص الغذاء والدواء نتيجة الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على البلاد من قبل الغرب الداعم لمملكة الوهابيين، عدا الحديث عن عدد الضحايا والمشردين الكبير، وهكذا، لم يعد اليمن الذي كان سعيداً يوماً ما، سعيداً.
وفي إيران يتم استهداف الجمهورية الإسلامية لمدة أربعة عقود متتالية من خلال محاولات التخريب، وزعزعة الاستقرار، والتخريب، وتغيير النظام، بالتزامن مع القطارات المستمرة من العقوبات الدولية، ومنذ انسحاب واشنطن من الصفقة النووية الإيرانية، تواجه البلاد نوعاً من الحصار لأنها تسعى إلى توسيع صادرات النفط والغاز، والتي لم تقاوم التلاعب من قبل الدول الغربية والعربية في الخليج إلا بفضل المرونة الهائلة التي يتمتع بها شعبها، ومهارة استراتيجيتها، فقد واجهت إيران بنجاح ثورة ملونة (خضراء) قبل أن تعاني من واحدة من أسوأ الهجمات الالكترونية في العالم بسبب فيروس “Stuxnet”، ولكن يبقى قبل كل شيء تماسك شعبها الهدف الرئيسي لأعدائها، قدم الإيرانيون تضحيات هائلة، ومازالوا يفعلون ذلك رغم العقوبات الاقتصادية التي تؤثر على الشريحة الأضعف في المقام الأول، ويدرك خصوم إيران القدرات العسكرية الإيرانية الهائلة، وهذا هو السبب في أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لإثارة الفتنة والانقسام بين أهلها من أجل تحقيق ما يسمى ثورة ” عفوية ” يمكن استغلالها بمهارة للوصول إلى طهران.
وفي باكستان يبدو أن حركات الاحتجاج موجهة من قبل الحلفاء في الولايات المتحدة لإيقاف التقارب بين باكستان والصين، باكستان بلد استراتيجي لديه أسلحة نووية، له دور في أفغانستان بالغ الأهمية، كما أن له حدوداً مشتركة مع الجهة الشرقية لإيران، ويظل في منافسة استراتيجية نشطة مع الهند.
أما في هونغ كونغ، وهي المثال النموذجي للحرب الهجينة الموجهة ضد منافس جيواستراتيجي رئيسي، فليس للمظاهرات أي هدف ثابت، يتم تحريض وتحريك معظم المتظاهرين الشباب بذريعة ارتفاع تكلفة المعيشة، والارتفاع الكبير في أسعار العقارات، ما يجعل من المستحيل تقريباً استئجار متر مربع واحد في هذه المدينة التي كانت مزدهرة ذات يوم، ولطالما كانت هونغ كونغ مركزاً وبؤرة للجواسيس الدوليين، حيث من السهل نسبياً إجراء عمليات التلاعب، ولا تخفي واشنطن ولندن آثار أصابعهما في عمليات التوجيه.. لقد نجحت الصين حتى الآن في تجنب الانتقام، لأن بكين ترى أن هذا كان الهدف الأساسي للمشاكل المستمرة، هناك شيء واحد مؤكد وهو أن هونغ كونغ لن تكون مرة أخرى مركزاً تجارياً دولياً، وستفقد مكانتها لفترة طويلة لصالح مدينة شنزن المنافسة لها.
وفي أوكرانيا فإن الحرب فيها لم تنته بعد حتى لو جُمدت الجبهة من خلال تنفيذ استراتيجية الاحتواء، ويلعب فساد الحكومة الأوكرانية وعلاقاتها الوثيقة مع نخب الدولة العميقة دوراً رئيسياً في الحياة السياسية الأمريكية، وتستند محاولات الديمقراطيين عزل ترامب إلى عدة قضايا، منها المحادثة بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني بشأن أنشطة المافيا التي يقوم بها هانتر بايدن في أوكرانيا كجزء من عمليات الحرب الهجينة تحت ستار الاستشارات لأكبر شركة طاقة في البلاد، وكما فعلت في سورية وأماكن أخرى، واصلت الولايات المتحدة تسليم الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا، وحاولت المستحيل لكسر الوضع الراهن في موسكو، وعليه فإن قيام ثورة ملونة أخرى أم لا في كييف هي مسألة وقت لا أكثر بالنظر للانهيار الاجتماعي والاقتصادي في هذا البلد.