عبد الغني العطري شيخ الصحافة السورية
اسم كبير من عالم الصحافة السورية وتاريخها، أسهم في إبراز أسماء كبيرة في سماء سورية من خلال مجلة الدنيا، اسم اقترن بالنكتة اللاذعة والأدب الضاحك والشخصيات التي اقتربت من الأسطورة في أذهاننا، اسم سلطت الهيئة العامة السورية للكتاب الضوء عليه من خلال الكتاب الشهري لليافعة والذي حمل عنوان “عبد الغني العطري” لمؤلفه عيسى فتوح وفيه يتعرف القارئ على حياة عبد الغني العطري الصحفية والأدبية الغنية، وعلى مجلتيه “الصباح” و”الدنيا” اللتين استقطبتا الحركة الصحفية والأدبية.
عشق الأدب والصحافة
ولد الأديب عبد الغني العطري عام 1919 في حي ساروجة بدمشق، دخل “الكتّاب” في الخامسة من عمره، فلقنته الخجا بعض آيات القرآن الكريم، لكن الجو لم يرق له، فغافل الخجا وهرب عائداً إلى البيت، فنقله والده إلى مدرسة “الكلية العلمية الوطنية” في حي البزورية وبقي فيها حتى أكمل المرحلة الثانوية، أحب دروس الأدبين العربي والفرنسي فيها، وقرأ في هذه المرحلة آثار الأدباء الكبار بالعربية والفرنسية، واستطاع أن يوفر من مصروفه الخاص بعض المال لشراء الكتب الأدبية ليقرأها في عطلة الصيف، وفي نهاية المرحلة أخذ يتردد على “المكتبة الظاهرية”. كان حب الصحافة يتسرب إليه في مرحلة الدراسة الثانوية، مع عشقه للأدب أخذ يطالع الصحف اليومية القديم منها والجديد، فتعلم بذلك صياغة المقال الافتتاحي وكتابة الخبر السياسي العالمي والمحلي وأخبار القدوم والسفر والأفراح والأتراح والطرائف والنوادر، وقد أفاده ذلك كثيراً فصار يستطيع ممارسة أي عمل في الصحافة ولاسيما بعد أن أتقن الفرنسية، ويطالع العديد من المجلات الفرنسية التي أعجب بموضوعاتها وأبوابها المبتكرة، عند انتهاء دراسته الثانوية كان اسمه قد بدأ يتردد في الصحف والمجلات الأدبية الكبرى مثل “الرسالة” المصرية، و”المكشوف” اللبنانية، ومقالاته تنشر إلى جانب مقالات أعلام الأدب فقرر حينها أن يدخل معترك الحياة.
مشروع مغامرة
ولاعتبارات عديدة ومنها ظروف الحرب العالمية الثانية التي لم تسمح للسلطة الفرنسية الحاكمة بمنح ترخيص بإصدار أية جريدة أو إصدار مجلة أدبية، لذلك استأجر عبد الغني العطري من علي الغبرة امتياز جريدة متوقفة عن الصدور بسبب عجزها المالي وغلاء الورق واشترط على صاحبها عدم التدخل في شؤونها وأسماها “الصباح”، كان مشروعها مغامرة تتسم بنزق الشباب والتسرع، ولا تعتمد على مقومات النجاح، إلا أنه حين صمم على إصدارها كتب إلى صديقه الأديب محمود تيمور وعدد من أدباء لبنان يطلب منهم إمداده ببعض نتاجهم من شعر ونثر وقصة وماهي إلا أيام وصدر العدد الأول في السادس من تشرين الأول عام 1941، وكانت بمثابة مفاجأة للأدباء والمثقفين عامة إذ لم يكن يتصور أحد ويصدق أن باستطاعة هذا الفتى المغامر أن يكمل الطريق ومع ذلك فقد تحول كثير من الأدباء عن النشر في المجلات المصرية واللبنانية إلى النشر في “الصباح” التي أصبحت مركز إشعاع أدبي.
عمل العطري بعد انتهاء مدة العقد بين العطري والغبرة الذي دام سنتين في جريدة “الأخبار” ثم أخذ يدرس مشروع إصدار مجلة جديدة خاصة به، وبعد المؤامرة التي حيكت على “الصباح” قرر أن يصدر مجلة باسم “الدنيا” –أسبوعية بامتياز جريدة “الوطن”- وصدر العدد الأول منها في السابع عشر من آذار عام 1945، وكان صدورها بمثابة وثبة كبيرة وثورة في الصحافة الأسبوعية السورية حيث أدخل الطباعة الملونة في الغلاف والصفحات الداخلية وجدد في الإخراج والمادة، واقتبس أبواباً من المجلات الفرنسية لم تكن موجودة في الصحافة العربية وجعل ثمنها ثلاثين قرشاً. استمرت المجلة تتعثر في الصدور مدة ثلاث سنوات وفي عام 1949 استطاعت أن تقف على قدميها وتستأنف صدورها أسبوعياً بشكل منتظم وأصبحت المجلة الوحيدة في سورية بعد “المضحك المبكي” لحبيب كحالة، وفي عام 1953 أخذ العطري يصدر إلى جانب المجلة كتاباً شهرياً ناجحاً باسم “كتاب الشهر”، وظلت “الدنيا” ترقى سلم النجاح حتى قامت الوحدة بين سورية ومصر فأجبرت على التوقف، وعادت للصدور بعد الانفصال في2آب 1962.
ذخيرته الأدبية
كتب العطري حديثاً إذاعياً حول الضحك وعوامله وأسبابه، وحين بدأ بالكتابة وجد أن الحديث قد تجاوز الوقت المحدد له فتابع الكتابة ثانية حتى صار الحديث محاضرة، وكان كلما كتب صفحة ازداد الموضوع اتساعاً حتى تحول الحديث إلى كتاب “أدبنا الضاحك” صدر عام 1993، واستقبله الأدباء والصحفيين بترحيب واسع مما شجعه على مضاعفة النشاط الأدبي، فقام بجمع ولملة ما كتبه وترجمه من قصص قصيرة في كتاب أسماه مجموعة “قلب ونار”، كما جمع دراسات لأعلام الأدب والعلم والصحافة المنشورة في مجلات عربية وجعل منها كتاباً سماه “عبقريات شامية” وأصدر اثني عشر كتاباً خلال حياته منها “عبقريات من بلادي” 1995، و”عبقريات وأعلام” 1996، و”عبقريات” 1997، و”اعترافات شامي عتيق” 1998، و”أعلام ومبدعون” 1999، و”حديث العبقريات” 2000، و”همسات قلب” 2001، و”بخلاء معاصرون”.
في 23 شباط عام 2003 إثر حادث سير أليم انتهت حياة العطري الخصبة الحافلة بالنشاط والمرح والحبور والابتسام، والعطاء الأدبي السخي في غمضة عين.
علا أحمد