تكريم زائف
لا شك أن التكريم يشكل حجر الزاوية في أي نشاط إنساني، وهو نوع من التشجيع والاعتراف بالجهد المميز الذي يقدمه المكرم من إبداع في مجالات مختلفة علمية وأدبية وفنية، إلا أن ذلك يبقى مرتبطاً ومشروطاً بالمعايير والأسس التي ينبغي أن تحكم خطوات التكريم وتنظم الأنشطة والفعاليات وبما يكسبها البعد الإنساني الحقيقي، ويجعل من التكريم حالة إيجابية وفاعلة شكلاً ومضموناً، لا أن يكون التكريم زائفاً ويأخذ مساراً مغايراً هدفه الإعلان والترويج وحسب؛ ليسيء للمكرمين بدلاً من الاحتفاء بهم.
ما دفعنا للإشارة إلى هذا الموضوع مجدداً هو انتشار هذه الظاهرة بصورة لافتة، حيث لا يكاد يمر يوم دون الإعلان عن إقامة فعالية أو احتفالية هنا وهناك، والقاسم المشترك بينها هو التكريم تحت عناوين ومسميات ثقافية وإنسانية وإبداعية، وأحياناً كثيرة تحت مسميات دولية وعالمية، حيث تقوم بعض الجهات الوهمية والمؤسسات الخاصة بمنح الألقاب والجوائز وشهادات الدكتوراه الفخرية كيفما تشاء دون أي أسس أو معايير واضحة، وهو ما يثير الكثير من الشك حول ماهية عمل هذه الجهات والمنظمات، وما هي طبيعة عملها وأهدافها.
فمن غير المقبول أن يتحول التكريم إلى نوع من التسطيح والتهريج والشكلية، وإلى غاية لتحقيق الترويج المجاني والربح المادي فقط عبر طرق وأساليب ملتوية وغير لائقة يتم خلالها تكريم أشخاص بعينهم لا يستحقون التكريم أصلاً، ولا تنطبق عليهم الشروط والمعايير الحقيقية، ولا علاقة لهم بعالم الإنجاز والإبداع، وهو ما حدث ويحدث مراراً وتكراراً في أكثر من مناسبة استضافتها حلب برعاية وتغطية من جهات رسمية ووصائية.
هذه الظاهرة المقلقة لا يجدر السكوت عنها، وهو ما يستدعي تدخلاً من الجهات ذات العلاقة، لضبط هذه المسألة واتخاذ الإجراءات التنظيمية المطلوبة، وعدم منح الرعاية لأي احتفالية لا تستوفي الشروط والمعايير التي من شأنها أن تسهم في ترسيخ التكريم كقيمة إنسانية واجتماعية، وليس كسلعة تخضع للسمسرة والابتزاز والعرض والطلب من قبل مؤسسات – لا نعرف هويتها ومن يقف وراءها – اقتحمت مجتمعنا إما صدفة أو عن قصد ونية مسبقة.
معن الغادري