الجزيرة السورية: «الطبيعة» تنتصر على «التلوث»
د. مهدي دخل الله
لعل من أهم خصائص هذا الكون قانون «طبيعة الأشياء» فيما يخص العالم المادي وقانون «طبائع البشر» فيما يخص العالم الإنساني!. القانونان يفرضان وجودهما في معركة دائمة ضد القوى التي تعمل خلافاً لطبيعة الأشياء وطبائع البشر، وعلى الرغم من الآلام التي شهدها التاريخ بسبب هذه المعركة الدائمة إلا أن البقاء مستمر، وهذا دليل على أن القانونيْن ينتصران في النهاية استعداداً لمعركة أخرى!…
إنه منطق التاريخ.. لا شك في ذلك!..
يجد هذا المنطق تطبيقاً اليوم – وإن بصعوبة – في جزيرتنا السورية. طبيعة الأشياء تنتصر على التلوث السياسي والعدواني هناك. اتفاقات ومفاوضات وتدخلات وصراعات.. حدّث ولا حرج، لكن في النهاية هناك طبيعة الأشياء التي تفرض نفسها فرضاً حتى لو لم ترغب قوى العدوان بذلك…
إن التناقضات العميقة التي يقع فيها المعتدون والانفصاليون على اختلاف أنواعهم تقودهم إلى زاوية يصبح فيها حضور الجيش العربي السوري الحل الوحيد. هو وحيد لأنه حل طبيعي يستجيب للقانونيْن المذكوريْن!..
ولا تقوم القوانين تلقائياً، بل لا بد من إرادة بشرية تقيمها مع كل ما تتطلبه هذه الإرادة من تضحيات. ذلك لأن معارضي طبيعة الأشياء وطبائع البشر يستخدمون كل مالديهم من قوة لعرقلة المسار الطبيعي للأشياء، ولتعتيم الطبيعة بتلوث عدواني تدميري قاتل…
هذه هي جدلية العلاقة بين الإرادة البشرية – بالاتجاهين – وقوانين الطبيعة. أما طبائع البشر، فإضافة إلى إرادة التصدي التي هي طبيعية في النفس الإنسانية نشاهد ترحيب سكان المناطق التي يدخلها الجيش وفرحهم بعودة الأمور «إلى طبيعتها».. لا أحد يرحّب بالمعتدين، أما من يضحّي من أجل أن يتماشى الواقع مع طبائع البشر، فهو مرحّب به من فئات الشعب كلها..
ويبدو أن القانونيْن يفرضان نفسيهما على الاجتماعات والاتفاقات كافة حول سورية على الرغم من عدوانية بعض المشاركين. قرارات مجلس الأمن بعد الصمود المدهش للسوريين تبدأ بمبدأ «طبيعي»، وهو سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها. هذا المبدأ يتصدّر اتفاقات سوتشي وأستانا، إضافة إلى قرارات مجلس الأمن، ولأنه مبدأ فهو المرجع إلى تقييم وتفسير كل مايليه، لأن المواد الأخرى هي وقتية واشتقاقية..
ويبدو أن السوريين اليوم أكثر اطمئناناً إلى مسار تطبيق قانوني «طبيعة الأشياء» و «طبائع البشر»، وإن كانت الصعوبات مازالت كبيرة والتضحيات مازالت ضرورية. لكن تراكم عمليات التصدي والتحرير يجعل القانونيْن أقرب إلى التطبيق. إنه لزوم ما يلزم، وهذا اللزوم لا يتم إلّا عبر إرادة إنسانية قوية أكدها السوريون في هذه التجربة المريرة..
mahdidakhlala@gmail.com