“الحداثــة والأدب والفـــن” في نـــدوة إشـكالية العــــلاقة بيـــن الحـــداثة والتحديث

استكملت ندوة “إشكالية العلاقة بين الحداثة والتحديث” –ضمن فعاليات يوم وزارة الثقافة- محاورها المتنوعة والمتعددة تلبية لاحتياجات ثقافتنا الوطنية، تحت عنوان “الحداثة والأدب” حيث ترأس الجلسة الناقد سعد القاسم، وبدأها د. أحمد علي محمد بالحديث حول “المنجز الثقافي للحداثة الشعرية العربية المعاصرة” بتعريف الحداثة ونشأة هذا المصطلح والتي تعني العصرنة وهي بمعنى الانتماء إلى العصر الحالي فكراً وذوقاً يتسق والحالة العلمية التي آلت إليها الحضارة الجديدة، ويضيف د. محمد أن حركة الحداثة الشعرية انبثقت من خلال الجهود التي بذلها شعراء مجلة شعر اللبنانية، فلما عاد يوسف الخال من المهجر حمل معه مشروع تحديث الشعر العربي في أربعينيات القرن العشرين، فميز شعراء قصيدة النثر أنفسهم بإيجاد عبارات جديدة وضعوا من خلالها حداً للغة الشعرية التقليدية التي كررت كثيراً من قبل الشعراء فباتت عاجزة عن الوفاء بمقتضيات الحداثة في هذا العصر، وليست قصيدة النثر هي الصيغة الحداثية الوحيدة في مجال الشعر على المستوى العالمي فجميع الآداب أزاحت الحدود بين الشعر والنثر ليصير هناك شعر نثري أو قصيدة نثر.

الرواية والملحمة
وفي تمييزه بين الرواية والملحمة يشير باختين إلى أن الملحمة ترتبط بالأرستقراطية، وتبني عالمها في مناخ أسطوري قديم ومكتمل بعيدا عن الزمن المعيش، فيما ترتبط الرواية بسواد الشعب وتنطلق من الزمن الحاضر غير المكتمل، الزمن المشاكس والمجدد والمجرب دائماً ومن هنا كانت الملحمة نصاً ماضوياً ثابتاً مغلقاً والرواية نصاً مستقبلياً مفتوحاً متحركاً.
وعن ثيمات الحداثة في الرواية السورية قال د. نذير جعفر: ليس في رواية الحداثة السورية زاوية نظر فلسفية نوعية تميزها، أو حركة متبلورة فنياً تمثلها، وتترجم حراكها وتنظيراتها وتلقيها النقدي، وتحاول تجارب الجيل الحاضر في الرواية السورية أن تخرج عن وصاية المنجز السردي السابق بتنويعاتها وخطاباتها الفنية والإيديولوجية المتبانية.

القصة القصيرة
ويرجع بعض الباحثين الإرهاصات الأولى للحداثة إلى القرن السادس عشر عقب سقوط القسطنطينية والأندلس واكتشاف أمريكا وبروز حركة الإصلاح البروتستاني، ويرى باحثون آخرون أن الحداثة الأدبية ترتبط بالثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا في أواخر القرن 18، ويعتقد هؤلاء أن فن القصة القصيرة هو نوع أدبي جديد من معطيات الحداثة الأدبية الأوروبية التي لا يتجاوز عمرها القرنين. أما نحن فنرى فن القصة القصيرة ولدت بولادة المجتمع البشري وتطوره وهي مستمرة باستمراره.
وعن الحداثة والقصة القصيرة تحدث الأديب حسن م. يوسف عن فهمه للحداثة وكيف عبر عن ذلك الفهم في القصص التي كتبها، ونضوج تجربته الأدبية قائلاً: كنت حاداً كالشفرة مندفعاً كجدول جبلي يريد القفز مباشرة إلى قاع البحر كي يحلي مياهه، ويستعيد لها براءة الينبوع الأولى، كانت أحلامي أكبر من رأسي، وكان حبي أكبر من قلبي وكان إيماني بالناس أكبر منهم، والآن بعد أن اختلطت مياهي بغيرها فهمت ماذا كان يقصد ألبير كامو عندما قال “من يريد أن يغير الواقع لابد أن يلوث يديه”، أستطيع القول إنني ألبست بعض قصصي تقنيات السرد القصصي، لكنني لم أقحم تلك التقنيات عليها أبداً عندما لا تسمح طبيعتها بذلك، كما لم أبتعد عن هموم شعبي وخواصه المحلية، مستلهماً قول طاغور “أسمح لكل الرياح أن تهب علي لكنني لا أسمح لأي منها أن تقتلعني من جذوري”.

الحداثة والفن
وحمل المحور الأخير من الندوة بإدارة الأديب حسن م يوسف عنوان “الحداثة والفن” قدم فيه رامي درويش محاضرته حول “الحداثة في الموسيقا” على اعتبارها مفهوما نسبيا يتغير من عصر إلى آخر تماشياً مع التطور الثقافي والاجتماعي للإنسان، مبيناً أن مفهوم الحداثة لم يقتصر يوماً على الموسيقا الكلاسيكية الغربية بل تعداه ليشمل موسيقا الشعوب كلها ومن ضمنها الموسيقا العربية، لافتاً أنه في جميع عصور الموسيقا وحتى القرن العشرين كانت الحداثة في الموسيقا هدفها تطوير الموسيقا بمفهومها الفني الثقافي التقليدي، أما في القرن العشرين فقد أخذت الحداثة في دفع الموسيقا باتجاه العلوم الأخرى وتجاوزت مفهومها التقليدي الفني لتدخل في مجالات أخرى كالطب والفضاء والفيزياء وما إلى ذلك.
من جانبها أوضحت د. ميسون علي في حديثها حول”الحداثة في المسرح وتجاوز حدود الشكل” أن الحداثة هي حالة وتوجه فكري تسيطر عليهما فكرة رئيسية فحواها أن تاريخ تطور الفكر الإنساني يمثل عملية استنارة تتنامى وتسعى قدماً نحو الامتلاك الكامل والمتجدد لأسس الفكر وقواعده، فالحداثة تجاوز الماضي والسعي نحو المستقبل، منوهة أنه في المسرح تعارضت الحداثة تماماً مع الأشكال والدراما بالمعنى التقليدي للكلمة إذ اتسمت أساساً بالابتكار والتجريب مما دفع الباحث أو الناقد إلى تجاوز التصنيفات والحدود الفاصلة بين فروع المعرفة الإنسانية وارتبطت بتطور الكتابة والأعراف المسرحية وبفن الإخراج وتطور المسرح وتقنياته، والبحث عن صيغ جديدة وجماليات متنوعة وبالتجريب والتعددية في التوجهات الإخراجية وتنوع التجارب التي شكلت مدارس إخراجية.

السينما والتشكيل
وتحت عنوان: “الحداثة في السينما” رأى الناقد عمار أحمد حامد أن السينما وليدة حقبة زمنية نشأت فيها العلوم الحديثة والمجتمع الحديث وليست مجرد اختراع بل هي ممارسة اجتماعية حديثة ووسيلة تسلية هامة وخطيرة بآن واحد ومن أهم الصناعات الترفيهية في العالم التي شكلت وعياً جماهيرياً جديداً، وبين حامد أن الفهم للعلاقة بين السينما والحداثة قد تم تحديده وإعادة تشكيله على نحو متسارع منذ تسعينيات القرن الماضي، وكان النقاد يرون أن الحداثة مجرد انعكاس سينمائي للحداثة وجوانبها المختلفة، مشيراً أنه يمكن القول إن السينما فن حديث رغم مرور أكثر من مائة عام على وجودها، وتحدث حامد عن انعكاسات ما بعد الحداثة في السينما، والتطور التكنولوجي والصورة السينمائية بعد الحرب العالمية الثانية وظهور السينما الحديثة.
كما أوضح الناقد سعد القاسم في حديثه عن “الحداثة في الفن التشكيلي السوري” أنه عندما بدأ الفن الحديث في سورية كان حديثاً بالمعنى الزمني وليس بمعنى الحداثة، والريادة لها دلالة إبداعية بينما في سورية مرتبطة بالزمن لذلك قسمت الفنانين التشكيليين السوريين إلى جيلين: جيل الريادة الزمنية، وجيل الريادة الإبداعية، موضحاً أنه خلال الخمسينيات ظهرت اتجاهات جديدة هامة في الفن التشكيلي السوري وفي مقدمتها الاتجاه الذي قاده الفنان الراحل أدهم إسماعيل للوصول إلى فن معاصر له هويته العربية الخاصة، والاتجاه التجريدي وأفضل من يمثله الفنان الراحل محمود حماد، والاتجاه التعبيري الذي لا يزال فاتح المدرس أهم رموزه، أما أشهر ممثلي التيار الانطباعي فهو نصير شورى.

لوردا فوزي – علا أحمد