حدائقُنا.. و”البيتون”!؟
أن تطبع اللامبالاة أداء مجالس مدننا، المُنتخبة منذ عام ونيّف، خلفاً لسابقاتها، لأمرٌ يستوجب استحضار جرعة عالية من الصّدمة الإيجابية لإيقاظها من غفوتها، ومن ثَمّ معاينة واقع إنجازها في ميادين عملها الخدميّة كافة.
وما استحقاق الحدائق المدنيّة، وعقود استثمارها الموقّعة في ليل؛ إلّا أحد ملفّاتها الشّائكة، التي تفوح من فحم “أراكيلها” ومداخن مطاعمها المُستحدثة عنوةً في رحم كلّ حديقة منها؛ رائحة فساد معلن، تُجاوز حدود الجهر بالمعصية..!
إذ وعلى الرّغم من التّشديد على أهمية المحافظة على المناطق الخضراء في المدن، وما حفلت به مؤتمراتٌ وندوات أُقيمت لهذه الغاية، بالتّعاون مع مؤسّسات وهيئات دوليّة؛ حضّت على زيادة المساحات المزروعة؛ لتحقيق التّوازن بين “بيتون” العمران من جهة وبين الفناءات الخضراء من جهة أخرى، نظراً للأهميّة الاجتماعية، فضلاً عن الجماليّة العمرانيّة، لهذه المساحات في المدن وما تشكّله من رئةٍ تُوازِن بها بين ما تبقّى من أوكسجين، وبين نواتج التلوّث عديدة المصادر، وقليلة الضّوابط، ولاسيّما أنّ حصّة الفرد السّوري من المساحات المدنيّة الخضراء بالغة التّواضع، ولا تتجاوز أربعة أمتارٍ مربّعة.!؟
ما يُعدّ تحدّياً حقيقياً ومسألةً يجب وضعها على طاولة البحث، ووضع الحلول المناسبة لها؛ إذ من غير المقبول أن يبقى واقع هذي المساحات الخضراء في مدننا متّشحاً بلا مبالاة بعض مجالسها المحليّة، أو بإمعان بعضها الآخر بالتّجرّؤ عليها، وبما يتناقض مع الاهتمام الرّسمي والتّطلّع الشّعبي!
تجرّؤٌ ولا مبالاةٌ؛ ما لبثا يتجلّيان باستمرار تراجيديا التهام “البيتون” للمسطّحات الخضراء والحدائق العامة؛ لإقامة مقاهٍ و”كافتريات” ومطاعم للوجبات السّريعة، وبعقود استثمارية طويلة الأجل تفوح من حروفها وفواصلها رائحة التّواطؤ والفساد، في سمةٍ تكادُ تتفرّد بها مدننا عن نظيراتها حول العالم، متظلّلة بشعار الإفادة من فناءات هذه الحدائق كمطارح استثماريّة على الرّغم من قلّة هذه المسطّحات وصغر مساحاتها؛ الأمر الذي أثار الكثير من التّوجّس طوراً، واستولد موجات تذمّر وسخط شعبية واسعة أطواراً، تمظهرت كإشارات استفهام حول ماهيّة عمل مجالس مدننا التي يُفترَض بها العضّ بالنواجذ على ما تبقّى من هذه الحدائق وتحويلها إلى جنان بعدما استحكم البيتون العشوائي بـ157منطقة سكن عشوائي، على امتداد الجغرافيا السّورية، تكاد تنعدم فيها الحدائق أو المسطّحات الخضراء؛ ما يعني افتقارها إلى ألف باء التنظيم المدني، والتي نشأت على مرأى ومسمع من المجالس المحلّية المتعاقبة وغدت أمراً واقعاً.!؟
وإنّ مقارنة بسيطة بين المساحات المشرّعة ورقيّاً في العقود الموقّعة مع المستثمرين، وبين المساحات المشغولة فعليّاً من قبلهم في هذه الفناءات؛ لَتَكشف جانباً من فساد وتواطؤ بعض المؤتمنين على “أوكسجين” حياتنا وأخضر حدائقنا.
والأنكى من هذا وذاك تحوّل الفضاءات المتبقيّة من هذي الحدائق المُعَهَّدة؛ إلى حيّز حيويّ لمستثمري هذه المنشآت، يُحظّر ولوجه على العامّة من غير الزبائن المرتادين، لتغدو بالتّالي: كامل مساحات الحدائق موضوع العقود؛ تحت سطوة هؤلاء المستثمرين.!؟
ما يضع وزارة الإدارة المحلية في مرمى السّؤال: هل يحقّ لمجالس مدننا التي يفترض بها خدمة جمهورها المحلّي، وتجسيد تطلّعاته والتّماهي مع مصلحته؛ إدارة الظّهر إلى مواطنيها لتغمطهم حقّهم فيما تبقّى لهم من مُتنفّس وأماكن راحة؟ أنّى كانت المُسمّيات؛ وأيّاً كانت الذّرائع؟!
أيمن علي