عزل ترامب بين الكونغرس وقوانين النظام
ريا خوري
لم تخل وسيلة إعلام أو منبر رفيع من الحديث عن اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة إجراءات وتدابير من شأنها عزل الرئيس دونالد ترامب ، وذلك وفقاً للقواعد والتشريعات التي يقرها الدستور الأمريكي في هذا الأمر، مع ملاحظة أنَّ عملية عزل ترامب على الرغم من إمكانية تحقيقها من الناحية النظرية ، إلا أنها تعتبر نادرة الحدوث من الناحية العملية. منذ بداية عهد الرئيس ترامب شهدت الولايات المتحدة العديد من المواجهات السياسية والاتهامات المتبادلة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ووفقاً للمفهوم الأمريكي يعتبر الحزب الجمهوري الحزب الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ليس بضروري أن يسيطر حزب الرئيس في النظام الأمريكي على الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب كما يجري الآن فالحزب الديمقراطي المعارض يسيطر على أغلبية مجلس النواب، وبالرغم من كل ذلك يطلق على الحزب الجمهوري مفهوم أو اصطلاح الحزب الحاكم لأنَّ الرئيس ينتمي إلى هذا الحزب . لقد تعرض دونالد ترامب عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية لاتهامات تتعلق بتدخل روسيا لصالحه في الانتخابات الرئاسية . ثم شهدت الساحة السياسية في الولايات المتحدة حالة من التجاذب والتنابذ بين الرئاسة ومجلس النواب لأنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدلى ببعض التصريحات ضد عدد من أعضاء الكونغرس والبلدان التي ينتمون إليها في أصولهم، كان تفسير هذه التصريحات ينطوي على نزعة عنصرية مفرطة، ولعل أخطر هذه الصراعات ما أثير مؤخراً من اتهامات موثقة ضد الرئيس ترامب لأنه استعان بطرف خارجي مثل أوكرانيا لمساعدته ضد خصومه السياسيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المتوقعة في العام 2020 ، وكان من نتيجته اتخاذ بعض الإجراءات داخل المجلس التشريعي ( الكونغرس) والتي إذا ما استكملت يترتب عليها عزل الرئيس لا محالة.
النظام في الحكم داخل الولايات المتحدة الأمريكية يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، والمقصود بذلك أنَّ لكل سلطة من السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية مجالها الخاص، ولا يحق للسلطات الأخرى التدخل فيها .. ولكن من الملاحظ أنه من مصدر واحد ، ولذلك يمكن للرئيس الأمريكي أياً كان جمهورياً أم ديمقراطياً في بعض الأحيان أن يصدر العديد من المراسيم الرئاسية لها إلزامية القانون وتشريعاته . أي بإمكانه ممارسة مهام قانونية وتشريعية يكون في الأصل للكونغرس. كذلك يتطلب موافقة الكونغرس في بعض التعيينات، على الرغم من أنَّ التعيينات في الأصل من اختصاص السلطة التنفيذية . لذلك يمكن أن يندرج عزل الرئيس الأمريكي وفقاً لبعض مواد يحددها الدستور الأمريكي . وهي ليست عادة مكررة أو مألوفة في النظام الأمريكي القائم. وهي من الحالات النادرة مثل ما تم اللجوء إليه في عامي 1973 مع الرئيس الأمريكي نيكسون عقب قضية “ووترغيت” الشهيرة . وفي العام 1998 مع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون حول علاقته الجنسية مع متدربة في البيت الأبيض (مونيكا صاموئيل لوينسكي) . كما أثيرت من قبل مع الرئيس الأمريكي أندرو . أما الرئيس نيكسون فقد استقال من منصبه قبل أن يُعزل.
في الآونة الأخيرة تم فتح ملف قضية عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نتيجة الكثير من المعطيات والشكوك في علاقته غير الطبيعية مع أوكرانيا، والضغط الكبير عليها وفقاً للمعطيات والتسريبات وأقوال العديد من الشهود إن كان من الناحية الاقتصادية أو في تقديم مساعدات وأسلحة حربية نوعية من أجل العديد من الاتهامات لابن نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن، كل ذلك بهدف التأثير في فرص جو بايدن الذي يعَدُّ من المرشحين الأوفر حظاً للحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام القادم 2020 . من هنا كانت الاتهامات قد وجهت ضد ترامب من قبل الديمقراطيين بأنه يحاول استغلال منصبه لمصالحه الشخصية مستعيناً بطرف ثالث.
فالدستور الأمريكي يحدد مسار الإجراءات والخطوات المتبعة لعزل الرئيس الأمريكي بعد موافقة مجلس النواب بالأغلبية وتوجيه الاتهامات وعزله من منصبه وهي أغلبية الثلثين. وفي هذا الإطار يمكن التنبيه إلى ثلاثة سيناريوهات متوقعة: أولها العزل، ويتم وفق الدستور الأمريكي والذي يتمثل بالموافقة على أغلبية مجلس النواب أي نصف الأعضاء زائد واحد وموافقة مجلس الشيوخ على إدانة الرئيس ترامب بأغلبية خاصة (الثلثين) وأن يُعزل الرئيس، وهذا السيناريو ضعيف الاحتمال من الناحية الواقعية، وذلك نظراً لأن مجلس الشيوخ يسيطر عليه الحزب الجمهوري الذي يتزعمه ترامب وهذا الأمر يتطلب أن يصوت عشرون عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري مع أعضاء المجلس من الديمقراطيين على إدانة الرئيس ترامب وعزله، وهو أمر شبه مستحيل.
الثاني، وهو الأرجح ألا يتم الوصول إلى نسبة الثلثين المطلوبة في مجلس الشيوخ للموافقة على العزل، وهي نسبة يمكن أن تبرىء الرئيس من العزل. أما الثالث، فهو الدور الجماهيري للإجراءات المتعلقة بالعزل وهذه المحاكمة يترتب عليها تأثير سلبي في الناخب الأمريكي، وإضعاف نسبي في موقف الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية 2020.