مرااااااااااايانا
سلوى عباس
لم تتطابق وعوده لها مع أمنياتها فبعد الفترة الأولى لسفره، خفت اتصالاته التي كانت تدور دوماً حول المدينة التي يسكنها والعمل الذي يقوم به وكم هو مرهِق له، إلى أن جاءها اتصاله بعد انقطاع طويل ليخبرها أنه لا يستطيع أن يكمل مشواره معها، وأن ظروفه أصعب مما كان يتوقع.
كان لكلامه وقع الصاعقة، فكيف لها أن تلملم شظايا روحها المهشمة، وكيف تبلسم جرحاً سيحفر عميقاً في وجدانها، وأخذت تتجاذبها الأفكار والهواجس، فهي قد تجاوزت الثلاثين من عمرها، ولم تنجز شيئاً يحسب لها، لا دراستها التي تعثرت في مرحلتها الأخيرة، ولا حبها الذي نذرت له عمرها، تنشد فيه حياة تعوضها عن خساراتها، ووقعت أسيرة الخوف والتردد بين قرارها في متابعة مشوارها لوحدها، وبين أن تعطي لنفسها فرصة جديدة علّها تلتقي بشخص آخر تبدأ معه مشواراً جديداً. وظلت على قارعة الحلم تنتظر أن تهبها الحياة حلماً جديداً يعوضها عن خساراتها وخيباتها..
****
اختلفت ملامح الزمن ومعاييره الآن مثلما اختلف ناسه، أصبحنا نهمل الأولويات في الحياة ونركز على الهوامش.. يهمنا أن نظهر أمام الآخرين كما يرغبون لا كما نقتنع، نعيش التناقض والازدواجية في سلوكنا وتفكيرنا وعلاقاتنا، نبيح لأنفسنا ما نحاكم الآخرين عليه وندينهم به.. تتساوى الأضداد، فنرى من يكتب عن الحب لكنه لا يعيش إلا سواد قلبه، ونقابل من يشكو من غياب الثقافة عن صحفنا وبرامجنا لكنه عندما يكتب نرى نتاجه بلا روح، ونرى من قضى عمره في مكان وظيفته وأعطاه عصارة روحه وفكره، يجد نفسه في لحظة من الزمن وقد انتهت صلاحية وجوده فيه ومطالب بمغادرته، وبالمقابل شخص آخر قضى عمره يحصد المكاسب من عمله دون أن يقدم مقابلاً، فيكافأ بترقيته لمرتبة خبير، حتى مجالس عزائنا تحولت إلى ما يشبه المهرجان، لم يعد هناك احترام للحظات الحزن، بل أخذت طابع الواجب و”البريستيج”، مع أنها الحالة التي يفترض أن نعيش فيها صدقنا مع أنفسنا ومع الآخر، ومن ثم يقيّم المعزون حسب مراتبهم وليس بصدق قلوبهم وبياض أرواحهم. فلا تسألوا لماذا يفقد الناس عفويتهم وصدقهم، بل اسألوا لماذا لا يصبحون كذلك إزاء كل ما يمكن أن نفقده في يوم أو في لحظة.. بل لنسأل أنفسنا قبل الآخرين، ما الذي يجعلنا نصمد أمام تحولات الزمن وغدراته؟!.
****
سألها: عن ماذا ستكتبين في مقالك المقبل؟. فأجابته: كالعادة سأكتب عن “الحب”!. فقال لها: وهل أنت مقتنعة بوجود الحب؟ فأجابته: الحب موجود ولا يمكننا نكرانه ولا أن نعيش بدونه، لكن ربما أخطأنا بتقييده وحصره بالعلاقة بين رجل وامرأة فقط، لأن الحب كمفهوم أشمل من ذلك بكثير، ينشأ معنا منذ لحظة الحنان الأولى التي تغدقها الأم على طفلها، ويتنامى ويكبر ليتمثل بمكونات شخصيتنا كلها، ولايمكن اعتبار الحب حالة تنتهي بمرور الوقت عليها، بل يمكننا القول إن لهفة الحب التي جمعت بين قلبين، تخلت عنهما، لكن هذا لا يعني أن نغلق أبواب قلوبنا خوفاً من وجع آخر قد يسببه لنا الحب، لأنه عندما تُسرق قلوبنا، سارقها يتسلل عبر الأرواح وليس عبر الأبواب، وهذه الصبيّة هي أكثر من خبرت الحب، فقد عاشته في كنف أسرة أغدقت عليها الكثير من حبها وحنانها، فكان زادها ومخزونها الذي تعيش فيه مع محيطها، ومع الناس الذين افتقدت الوفاء لدى كثيرين منهم، لكنها عندما يحضر الحب في روحها لا يمكنها أن تعيش خارج إحساسها به، ولا أن تسمع إلا صوته، ويستيقظ قلبها ليرى ألوان الحياة، فهي لا تحب الوقوف على الأطلال، ولا تستسلم لأي حالة انكسار، بل تجعلها بداية حلم جديد، فالروح التي لا تشاركها روح أخرى يقتلها المرض.