صحيفة البعثمحليات

فوضى إدارية..!!

غسان فطوم

بلغة الأرقام مضى أكثر من نصف قرن على تأسيس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في سورية، والذي يعود لستينيات القرن الماضي، ومنطق الزمن يقضي بالاستفادة من تراكم الخبرات خلال تلك السنين الطوال، واستثمار هذا المخزون من التجارب – الحلو منها أو المرّ – في تصويب الأمور، بما يخدم منظومتنا التعليمية الجامعية ويرتقي بها، خاصة وأن الشهادة الجامعية السورية كانت في مرمى الاستهداف خلال السنوات الأخيرة للنيل من مصداقيتها وهيبتها. وللأسف، لغاية الآن، وبشهادة أهل الجامعة، ما زالت ردّة فعل وزارة التعليم وإدارات الجامعات دون المستوى المطلوب، رغم وجود محاولات تبقى خجولة، والدليل استمرار وجود جامعاتنا في ذيل التصنيف أو الترتيب العالمي.. حتى عربياً!.

ورغم أن قانون تنظيم الجامعات في آخر نسخة مطورة أعطى الاستقلالية للجامعات في تسيير أمورها، غير أن التطبيق العملي يُشير إلى وجود تدخلات، أو لنقل خرق يظهر بشكل واضح في التعيينات بالمفاصل الإدارية على مستوى رئيس القسم وعمادة الكليات، وحتى فيما يتعلق بتقييم الأساتذة بشكل مخالف لقانون تنظيم الجامعات، ووصل الأمر إلى تعيين عمداء كليات غير مختصين بعلومها، رغم وجود مختصين بمرتبة أستاذ، وأستاذ مساعد لهم الأحقية والأفضلية، عدا عن تعيين رؤساء أقسام هم ليسوا الأفضل علمياً في كلياتهم وغير مؤهلين إدارياً!

هذه “الفوضى الإدارية” – وفق ما وصفها أحد الأساتذة المخضرمين – جعلت بعض أعضاء الهيئة التدريسية من أصحاب الكفاءات والخبرات يشعرون بالإحباط، ويعتذرون عن شغل بعض المفاصل الإدارية في جامعاتهم، وحتى في مديريات وزارة التعليم العالي، بل يتهربون لأنهم يعرفون “سر الطبخة”، ومنهم من فضّل العمل في الجامعات الخاصة، ففيها الرواتب أعلى والأمور الإدارية بعيدة – إلى حدّ ما – عن التعقيد والمحسوبيات.

بالمختصر، اتركوا الجامعات بحالها، فهي أدرى بتسيير أمورها، وتعرف ماذا تريد، ولا تحتاج إلى وصيّ عليها يتدخل في شؤونها. وللأمانة، هذا أهم مطلب لأساتذة الجامعات في مؤتمراتهم السنوية، إذ يؤكدون ضرورة أن تتمتّع الجامعات بكلياتها ومعاهدها وأقسامها باستقلالية أكاديمية وإدارية، ولتهتم وزارة التعليم العالي والجهات الأخرى بالتخطيط الإستراتيجي لتطوير منظومتنا التعليمية التي تواجه تحديات خطيرة تقتضي التفرغ للعمل الجاد لجعل مخرجاتها قابلة للصرف في سوق العمل، حتى يكون لنا موطئ قدم في عالم اقتصاد المعرفة، والتقيّد بالأسس العلمية العادلة في قانون تنظيم الجامعات حين تعيين عمداء الكليات ورؤساء الأقسام بعيداً عن أي اعتبارات وضغوطات باتت معروفة للجميع.. وغير مقبول اليوم استمرار تفريغ هذا القانون من جوانبه الإيجابية، مع أن هناك ملاحظات عليه تستلزمُ إعادة تعديله!