“قصص قصيرة.. صينية مشهورة” تنتمي لتراث عريق
يعتبر الأدب الصيني من أشهر وأعرق الآداب في العالم، فقد قدم الكتاب الصينيون أعمالاً مهمة على مدى 3000 عام تقريباً، استطاعوا من خلالها إبهار القارئ بقصصهم وأساطيرهم وعادات مجتمعهم، وللتعرف أكثر على تلك القصص نتوقف مع المجموعة القصصية “قصص قصيرة… صينية مشهورة” للكاتب الصيني لين يوتانغ وترجمه إلى العربية د. إبراهيم يحيى شهابي، صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وتعكس هذه المجموعة الحياة الاجتماعية والثقافية في الصين بكل ما فيها من تقاليد وأعراف وأساطير ومعتقدات كانت شائعة في عهود السلالات الصينية الحاكمة في العصور المتعاقبة منذ العام 960 حتى الثورة الصينية عام 1911 حيث تعاقبت على حكم الصين سلالات: تانغ وصنغ وتشينغ.
تضم هذه المجموعة عشرين قصة قصيرة شملت موضوعات متنوعة، ترجمها إلى الإنكليزية المفكر والكاتب الصيني لين يوتانغ الذي عاش جزءاً من حياته في الولايات المتحدة الأمريكية، وله مؤلفات في الآداب المسرحية والتاريخ والفلسفة، وكانت له ترجمات عدة لروائع الأدب الصيني إلى الإنكليزية.
يتألف الكتاب من ست فئات هي المغامرات والألغاز والحب والأشباح والأحداث واليافعين والهجاء والخيال والمرح، وكل منها ضمت مجموعة متنوعة من القصص، فمن حكايات المغامرات والألغاز قصة “ذو اللحية الجعداء” التي من المرجح أن كاتبها هو توكوانغ- تينغ (850-933م) أحد الشخصيات القوية المميزة ومؤلف العديد من الأعمال وهي من القصص التي تميزت ببراعة رسم الشخصيات والحوار، أتت القصة من عالم الفروسية والمغامرات والخيال الرومانسي والمعارك الجريئة والفتوحات الواسعة والأفعال الغريبة لرجال غير عاديين يعج بها تاريخ تأسيس أسرة تانغ العظيمة.
أما قصص الحب فاحتلت الفئة الثانية ومنها “إلهة الرحمة- تمثال منحوت من حجر كريم” والتي تعود على الأغلب إلى القرن الثاني عشر، تحكي عن موظف رسمي اكتشف زوجة نحات الحجارة الكريمة ودفنها حية في الحديقة، لكنها كانت تظهر كالشبح لتنتقم لنفسها، لقد اتبع الكاتب القسم الأول من القصة من مجموعة تشينغ بن تنغ شياو شو ثم طور المؤلف القصة وفق الموضوع البسيط ومفاده: هل يجب أن يدمر الفنان فنه ليغطي هويته؟ أو هل يجب أن يدع فنه يفصح عنه؟
من قصص المجموعة قصة “العفة” قدمها المترجم على أنها حكاية قصيرة موجودة في كتاب الفكاهات والحكايات الشعبية، تروي الحكاية الأصلية كيف أن امرأة أرملة في مساء يوم تسلّمها قوس الشرف التذكاري أغواها خادمها ففقدت القوس وشنقت نفسها.
أكثر قصة حب شهرة وانتشاراً في الأدب الصيني كانت بعنوان “عاطفة جياشة أو الغرفة الغريبة” كتبها الشاعر الصيني الشهير يوان تشين بوصفها حدثت لشخص آخر، ولكن من الواضح تماماً أنها سيرته الذاتية، فالتواريخ والأحداث والشخصيات كلها حقيقية ومتطابقة جداً مع سيرته، ويشعر القارئ بعواطف الكاتب الشخصية، إن التنكر الخفيف تحت اسم “تشآنغ” الذي أعطي للمحب في القصة لم يخدع أصدقاء الكاتب، وأثارت القصة المفعمة بالحيوية أحاديث كثيرة وفضولاً كبيراً، ارتبك المؤلف الذي أصبح واحداً من أشهر الشعراء في عصره لكنه لم يستطع كبت القصة.
وأخذت قصة “السيدة D” من أسرة صنغ الذي قال إنه يعرف الحكاية عندما كان طالباً في الجامعة، لقد أدخلت تفاصيل الحركة الطلابية لاستعادة الأراضي الوطنية هذه الوقائع المعروفة في التاريخ ومبنية على أعمال كويهسين تشاتشيه للكاتب تشاو مي.
اعتمدت فئة “الأشباح” تقنية إثارة الشك تدريجياً ومنها قصة بعنوان “جوجو” و”الغيرة”، وهي من نمط الرعب التي يستمتع بها رواد حانات الشاي، بنيت هذه القصة تصاعدياً بحيث لا يظل شخص واحد حتى نهاية القصة. وفي فئة “قصص الأحداث واليافعين” قصتي “الصبي الصرصار” و”سندريلا” التي تتميز النسخة الصينية منها بأنها تجمع بين ملامح قصة “صديق حيوان” السلافية، وقصة “الخف المفقود” الجرمانية.
وعن فئة “الهجاء” قدم قصة “نادي الشعراء” التي ألفها الكاتب وانغ تشو وهو عالم متعدد المواهب، وعاش في مطلع عهد أسرة صنغ وربما كان انحطاط الشعر التانغي في زمنه هو السبب الذي جعله يكتب هذا الهجاء النزوي لشعراء الأيام الأخيرة. و”القارئ النهم” قصة صينية هجائية تهكمية تتميز بحيوية فائقة، والقصة مأخوذة من مجموعة لياوتساي للكاتب الصيني بو صنغ لنغ، كان هذا الكاتب عالماً أصيلاً موهوباً جداً ولكنه فشل في الامتحانات الإمبراطورية الرسمية، بيد أن فشله لم يؤثر على موهبته الأدبية فالعلماء الموهوبون غالباً ما يحتقرون النجاح الرسمي، وعبر بو عن هذا الازدراء في هذه القصة بالسخرية من السياسيين.
عُلا أحمد