أدوار جديدة أضيفت لأدواره التقليدية … خبراء يحللون ويصوبون بوصلة الإعلام الاقتصادي
فرض الإعلام الاقتصادي حضوره وتأثيره في الحياة الاقتصادية السورية، رسمية أكانت أم شعبية، بدليل أنه بات “تيرمو متر”، وفي اتجاهين.. النازل (من الجهات صانعة ومتخذة القرار الاقتصادي)، والصاعد (من القاعدة الشعبية والاستثمارية)، التي تستفيد أو تتضرر من هذا القرار أو ذاك؛ لذا نسهم نحن الإعلاميين المشتغلين في هذا القطاع من الإعلام، في كل حراك اقتصادي، مهما بدا صغيراً ومتواضعاً، فهل بتنا أكثر أهمية، أم مهنتنا هي من أعطتنا مثل هذه الأهمية، قالها رائد علم العمران (الاجتماع) المبدع ابن خلدون، ذات يوم، “شرف الصانع من شرف الصنعة”، فأين نحن من شرف صنعتنا.. دورنا.. تأثيرنا ؟! لنرَ..
بُعد تاريخي
مضى أقل من ثلاثة عقود، حين بدأ مصطلح الإعلام الاقتصادي بالتداول بين أوساط الإعلاميين والمهتمين في المجتمع السوري، فقبل صدور قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، الذي عُد يومها فتحاً اقتصادياً وانفتاحاً على عالم الاستثمار، لم تكن هناك صفحات وبرامج اقتصادية واضحة المعالم، بل كثيراً ما تماهت مع المواد الإعلامية الأخرى، حتى إن المؤسسات الإعلامية لم تفرد أقساماً خاصة بالاقتصاد؛ لأن الأخير كان محتوى إما في قسم الإعلام التنموي أو المحليات، وفق لما يرى المدير العام لمؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر زياد غصن.
وبين غصن أن هناك ثلاث مراحل تدرج فيها هذا النوع من الإعلام.. بعد 1991، ثم بعد 2000، فمرحلة الأزمة، حيث لم يتمكن من إثبات حضور قوي ومؤثر وحسب، وإنما الدخول إلى اختصاصات داخل الاختصاص العام، فهناك اليوم.. اقتصاديات المال، الصناعة، التجارة، الزراعة، النقل، إلخ..
عن الوصول والتأثير
من الإجحاف إنكار التطور والانتشار اللذين نجح بهما الإعلام الاقتصادي في نشر وبث رسالته، ولكن الأمر يتعدى ذلك للوصول إلى السؤال الأهم: هل وصل وأثّر بالشريحة/الشرائح المستهدفة على نحو كفوء ومقنع..؟
يأخذ رئيس قسم الإعلام الإلكتروني في كلية الإعلام بجامعة دمشق الدكتور لؤي الزعبي على هذا الإعلام عدم اعتماده على المؤشرات، وعدم وضوح وتحديد المصطلحات لديه، وغياب التشخيص الدقيق للموقف الاقتصادي، وهو أمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بغياب مراكز البحث ووحدات البيانات في المؤسسات الإعلامية؛ ما جعله معتمداً على التوصيف بدلاً من التحليل، وعلى التعميم بدلاً من التعمق..
تعاطٍ جديد..
دخلت ما يمكن تسميتها شركات الاقتصاد الجديد (المصارف، التأمين، الاتصالات الخلوية، الوساطة المالية، التطوير والتمويل العقاريين، وغيرها..) إلى البلاد بعد عام 2000، ثمة أدوار جديدة أضيفت للأدوار التقليدية للإعلام الاقتصادي بشكل عام، ومنها الإسهام في خلق ثقافة اقتصادية استثمارية ادخارية تخدم الاقتصاد، رصد مؤشرات الاقتصاد المحلي والدولي وفهمها جيداً، تسليط الضوء على القطاعات الأكثر تأثيراً، عدم ترويج بعض الأسماء أو الشركات على حساب أخرى، تبسيط الأرقام والمؤشرات ليتسنى للمتلقي فهمها، جس نبض الشارع عبر استطلاعات الرأي حول بعض القضايا ذات العلاقة، الاستثمار في تطوير الإعلام الاقتصادي بالتزامن مع الترخيص لوسائل إعلامية جديدة، وتعزيز الأسلوب التحليلي الدقيق والمعمّق للأخبار والتقارير الاقتصادية والمالية.. هذه هي بعض أدوار الإعلام الجديدة، كما نراها.
لم يعطَ حقه
ويأخذ أستاذ الإعلام في الكلية الدكتور محمد الرفاعي على التغطية الإعلامية للفعاليات الاقتصادية بأنها كانت إخبارية ومحايدة، فقد افتقرت للتحليل والتعمق، وهو ناجم عن نقص بيوت الخبرة ومراكز التحليل الفاعلة والمؤثرة، بالرغم من أنه ظهر في السنوات الأخيرة كثير من هذه المراكز، التي تفتقد لأبسط القواعد والمحددات المهنية.
تجنب الخلط
الإعلان هو الرئة التي يتنفس منها الإعلام، حيث يؤمن الأول للثاني الإيرادات التي تغطي النفقات، وهي كثيرة ومتنوعة جداً، لكن تداخل هذان المفهومان فيما بينهما على نحو أكثر تعقيداً، ويدعو أستاذ الإعلام في الكلية الدكتور عربي المصري لممارسة إعلامية لا تخلط بين الإعلام والإعلان؛ لأن التعاطي الإعلامي لا يستهدف الربح المباشر، بل ينتظر منه أن يكون رقيباً على القطاعات الاقتصادية والإنتاجية المختلفة، ففي 1930 كتب صحفي أميركي تحقيقاً حول أهمية تغليف السلع، واليوم باتت السلع جميعاً حول العالم تباع مغلفة.
يبقى أن..
مطلوب من وسائل الإعلام المحلية تغطية تداعيات التحولات والقضايا الاقتصادية، وبيان انعكاساتها على حياة الناس، مع إبراز أهميتها بالنسبة لمجتمع المال والأعمال وصنّاع القرار… بيد أن بعض هذه الوسائل يفتقر للمهنية في تغطية الخبر الاقتصادي، ويعاني ضعفاً في المتابعة والتحليل، وهذا يرجع لنقص الخبرات المختصة، فالإعلام الاقتصادي يحتاج لخبراء ومحررين يتمتعون بالقدرة على التحليل الموضوعي الدقيق؛ ما يتطلب ضرورة الاستثمار بالكوادر الإعلامية الكفوءة.
أحمد العمار