حلفاء أمريكا قد يتخلون عنها
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع غلوبال تايمز 27/11/2019
نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالاً بعنوان “التحالف الذي استمر 66 عاماً بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في ورطة كبيرة”. من بين الأسباب البارزة المقدّمة للعلاقات الثنائية المضطربة أن واشنطن تطالب بمزيد من المساهمة المالية من كوريا الجنوبية كتكلفة لاستضافة القوات الأمريكية. ووفقاً لشبكة CNN فقد انتهت المفاوضات بين البلدين حول قضايا تقاسم تكاليف الدفاع فجأة.
كوريا الجنوبية ليست الحليف الوحيد الذي تستهدفه الولايات المتحدة بشأن الإنفاق الدفاعي، فقد طلبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من كل من اليابان وحلفائها في الناتو دفع المزيد. ولأن اتفاقية التدابير الخاصة اليابانية مع الولايات المتحدة، الموقعة في عام 2016، ستنتهي في عام 2021، ستؤثر مسألة التكلفة العسكرية بشكل مباشر على مفاوضات واشنطن وطوكيو المتعلقة بها. وسوف تدخل الحكومتان الأمريكية واليابانية في مفاوضات تقاسم التكاليف الخاصة بها في أواخر عام 2019/ وأوائل عام 2020، ما يعني أن اليابان هدف قريب المدى لحملة إدارة ترامب ضد حلفاء “الركوب المجاني”، وفقاً لما ذكره الدبلوماسي في كانون الأول 2018.
تعكس مفاوضات الإنفاق العسكري الأمريكية تناقضات تلوح في الأفق بين سياسة ترامب “أمريكا أولاً” وحاجة واشنطن إلى الحفاظ على نظام تحالفها. بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت أوروبا وآسيا في حالة خراب، وكان حلفاء الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى الدعم في مواجهة التحديات الأمنية الخارجية ومهام إعادة البناء الداخلية. من أجل تأسيس وتوطيد نظام وآلية دولية، كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى دعم نظام قوي من الحلفاء. من خلال هذا الفهم الاستراتيجي المتفق عليه، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها عموماً الاستفادة من نظام التحالف هذا، على الرغم من خلافاتهم.
لكن وجهة نظر إدارة ترامب حول العالم ودور الولايات المتحدة فيها تغيّرت. إنها تعتقد أن “السلام من خلال القوة” هو الطريقة الصحيحة للتعامل مع التحديات الحالية، وبالتالي يغيّر من نظرة الولايات المتحدة لمواقع حلفائها.
يعتقد ترامب أن حماية أمن وازدهار الولايات المتحدة لا ينبغي أن يجعلها ملزمة بالنظام الدولي، وهو دلالة على أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تعد ترى الدفاع عن موقعها الأساسي في النظام الدولي كهدف استراتيجي طويل الأجل. ووفقاً لترامب، أنه إذا كان على الولايات المتحدة حماية أمن حلفائها، فينبغي عليهم أن يدفعوا أكثر، ويجب على حلفاء الولايات المتحدة التنسيق مع واشنطن في استراتيجياتها الإقليمية والعالمية، بدلاً من التأكيد على الحرية الإستراتيجية. وهذا واضح في موقف الولايات المتحدة تجاه حلفائها الأوروبيين. في السعي لتحقيق المصلحة الذاتية، تبنّت الولايات المتحدة أساليب مختلفة في سياستها الأوروبية، تتجاهل الصعوبات والاحتياجات الحقيقية للقارة.
من ناحية، تؤكد الولايات المتحدة باستمرار على القواسم المشتركة مع أوروبا على مستوى القيم. حتى أن واشنطن ادّعت أنها توحد الدول الأوروبية ذات القيم المشتركة ضد ما يُسمّى بالدول القمعية. لكن من ناحية أخرى، عندما يتعلق الأمر بتغيّر المناخ، والاتفاق النووي الإيراني، والتجارة الحرة، فإن للولايات المتحدة وأوروبا أفكاراً متباينة للغاية. إن تركيز إدارة ترامب على سياسة “أمريكا أولاً” يتعارض مع التعددية التي تدعو إليها أوروبا. إضافة إلى ذلك، رغم احتمال خروج المملكة المتحدة رسمياً من الاتحاد الأوروبي، تظلّ ألمانيا وفرنسا تختلفان في الفلسفة والسياسات عن الولايات المتحدة، فواشنطن تعتزم تجاوز القوى الأوروبية التقليدية الرئيسية والبحث عن نقطة ارتكاز إستراتيجية جديدة في وسط وشرق أوروبا. في الماضي، وبغرض احتواء الخصوم والحفاظ على مكانة مهيمنة في النظام الدولي، تبنّت الولايات المتحدة، إلى حدّ ما، مصلحة حقيقية لحلفائها، ورعت تنميتهم، وكفلت أمنهم، وتأكدت أن سياساتهم الداخلية لم تنزلق إلى التطرف يساراً أو يميناً. للقيام بذلك، لم تحتج الولايات المتحدة إلى كسب كل منافسة اقتصادية أو كل اتفاقية تجارية. في ذلك الوقت، قبل حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا القيادة الأمريكية لفترة طويلة كشرط أساسي للتنمية السلمية. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تتراجع الآن بشكل كامل عن النظام والالتزامات الدولية في تحالفاتها، في ظل عدم اليقين العميق والشك بقوتها في ظل السعي الظاهر لعلاقات دولية أكثر عدلاً. ومن خلال استغلال موقعها المهيمن في نظام التحالف للضغط على حلفائها، تزيد الولايات المتحدة من تغذية مخاوف حلفائها بالتخلي عنهم ورغبتهم في الاعتماد الاستراتيجي، وبالتالي تسهيل الانفصال التدريجي للحلفاء.