دراساتصحيفة البعث

كيف سيبدو العالم عقب الحرب التجارية؟

ترجمة: علاء العطار
عن موقع تشاينا ديلي 30/11/2019
هيمن الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين على جدل سوق المال والاقتصاد على مدى العامين الماضيين، لسبب وجيه طبعاً، فبعد التهديدات والاتهامات التي سبقت انتخابات عام 2016 الرئاسية، حلّت الأفعال محل الأقوال.
وعلى مدار الـ 17 شهراً المنصرمة، انخرط أكبر اقتصادين في العالم في حرب تجارية تعدّ الأخطر منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كما أن استخدام الولايات المتحدة لسياستها التجارية كسلاح ضد التهديدات المتصورة من شركات معينة كشركة هواوي الصينية العملاقة أدى إلى توسيع الجبهة في هذه الحرب.
كانت هذه الحرب منذ بدايتها صراعاً سياسياً استخدم أسلحة اقتصادية وقد يبقى على هذه الحال في المستقبل المنظور، وهذا يعني بالطبع أن مستقبل سوق المال والاقتصاد يتوقف على الديناميات السياسية بين الولايات المتحدة والصين.
هل اكتفى البيت الأبيض من الحرب التجارية؟..
في هذا السياق، إن ما يُسمّى بالصفقة التجارية الأولية “الهزيلة”، التي أُعلن عنها بجعجعة كبيرة في 11 تشرين الأول، قد تكون إشارة سياسية مهمة، ففي حين لن يكون لهذه الصفقة، إن اكتملت في وقت من الأوقات، أي أثر اقتصادي ملموس، إلا أنها تحمل تلميحاً قوياً بأن البيت الأبيض قد اكتفى أخيراً من هذه الحرب التجارية، إذ إن البيت الأبيض منهمك بالقضايا السياسية الداخلية، ولاسيما جلسات مساءلة الرئيس الأمريكي وانتخابات عام 2020 التي تلوح في الأفق، لذا من مصلحة البيت الأبيض إعلان النصر ومحاولة الاستفادة منه لمواجهة المشكلات الداخلية.
لا ترغب الصين من جانبها سوى إنهاء الحرب التجارية، قد تبدو السياسة مختلفة جداً في الصين، لكن القيادة الصينية لن تتراجع عن مبادئها الأساسية المتمثّلة بالسيادة وأهدافها الطموحة في التجدّد والنمو والتنمية على المستوى الوطني، وفي الوقت نفسه، لا يجوز أن نتغافل عن أي ضغوط هبوطية على الاقتصاد، لكن مع إصرار صنّاع السياسة الصينيين على مواصلة حملات تخفيض المديونية، وهو سبب مهمّ يفسّر التباطؤ الحالي، يستحسن أن يكونوا أكثر حرصاً على معالجة الضغوط التجارية بفعل الحرب التجارية التي بدأتها الولايات المتحدة.
بناءً على ذلك، تقترب الحسابات السياسية لكلا البلدين من التناغم، مع تطلع كل طرف لإنهاء الصراع، وخطر ظهور تأزمات أخرى وارد دائماً، لكن سياسات الحرب التجارية، على الأقل في الوقت الحالي، تشير الآن إلى تراجع التصعيد عوضاً عن رفع التوتر.
إن كانت الحال كذلك، وإن تمّ التوصل إلى اتفاق “أولي”، فينبغي علينا أن نفكر ملياً كيف سيبدو العالم بعد الحرب التجارية، هناك العديد من الاحتمالات تتربع على رأس القائمة: تفكيك العولمة واختزال الوصل العالمي وتغيير مسار التجارة. لكن تفكيك العولمة أمر مستبعد، واختزال الوصل العالمي أمر مستبعد أيضاً، فالعالم أمسى أكثر تماسكاً، وهو ما يعكسه النمو الهائل في سلاسل القيمة العالمية على مدى الـ 25 عاماً الماضية.
إن تحويل مسار التجارة مسألة مختلفة كلياً، إذ لا يمكن للصراعات التجارية الثنائية، ولا حتى اختزال الوصل الثنائي، أن تفعل شيئاً لحل الاختلالات المتعددة الأطراف، ومن المحتمل أن يؤدي الضغط على أحد الشركاء التجاريين إلى نتائج عكسية، وهو ما تفعله بالضبط الولايات المتحدة عندما تضغط على الصين في محاولة لتقليص العجز التجاري مع 102 دولة.
لذا بهدنة تجارية أو بدونها، بدأ بالفعل صراع اقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، وقد ينتهي الأمر بالهدنة الحالية أن تكون راحة سياسية ملائمة في ما قد يكون صراعاً طويل الأمد، الأمر الذي ينبغي أن يدبّ القلق في صدر الولايات المتحدة التي لا تمتلك إطاراً استراتيجياً طويل الأمد، بعكس الصين، وهذه بالتأكيد رسالة “سون تزو” في كتابه “فن الحرب”: “عندما تمتلك إستراتيجية عميقة وبعيدة المدى.. تستطيع الفوز قبل أن تقاتل حتى”.