أخبارصحيفة البعث

الاستيطان ودروس الماضي

كما الضفة المحتلة، التي قطّع الاستيطان أوصالها واغتال وحدتها، يتربّص كيان الاحتلال بمدينة الخليل مشهراً مدية الفصل العنصري، قاصداً تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أملاكهم. وما أن تضرب كلمة “الخليل” في محرّك البحث “غوغل” حتى تظهر لك عشرات الأخبار: توسّع الاستيطان الإسرائيلي.. مخطط تهويد استيطاني جديد.. اعتقال فلسطينيين في الخليل.. وتأكيدات بأن المخطط الاستيطاني الأخير، الذي صدّق عليه وزير حرب الاحتلال نفتالي بينيت، مجرّد بداية!.
ولا تغيب عند تصفح نتائج البحث عن “الخليل” ردود الأفعال الرسمية الفلسطينية، ولكن إذا ما وضعت تلك الردود تحت المجهر، فلن يُلحظ أثرها على أرض الواقع، والمستغرب أن ذلك مخالف للطبيعة، ففي قانون الفيزياء، لكلّ فعل ردّ فعل يعاكسه ويساويه بالشدّة، ولا يمكن أن يتساوى الاستيطان والتهجير والقتل والاعتقال بالإدانات والاحتجاج!.
وإن بقيت ردود الفعل الفلسطينية والعربية الرسمية في إطار الاحتجاجات والإدانات الساذجة التي لا تغني ولا تسمن، فإن الانفجار الشامل قد يبدأ في أية لحظة!.
فليس عادياً استضافة المنامة مؤتمراً للترويج لـ “صفقة القرن”، ولا الانتقال إلى التطبيع العلني بين كيان الاحتلال ومشيخات الخليج، ولا الإعلان الأخير الذي تشدّق به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأن بلاده لا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية متعارضةً مع القانون الدولي، وبعدها مباشرةً الإعلان عن مخطط استيطاني في قلب الخليل-في سبيل تطبيق “الصفقة”-، وليس عادياً أيضاً اكتفاء الشخصيات الرسمية الفلسطينية بتكرار بيانات الإدانة والشجب الباردة.
سبعون عاماً ونيّف مرّت على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كافية لتعلّم دروس لا يُستهان بها على مستوى الصراع مع العدو، فلم تجرّ “اتفاقيات السلام”، من كامب ديفيد إلى أوسلو حتى وادي عربة وغيرها، سوى الهزيمة والتراجع، ولم تخلّف سوى المزيد من الحقوق المسلوبة والأراضي المغتصبة، فيما أثمرت عمليات المقاومة الفدائية وتضحياتها عن استرداد أجزاء من تلك الحقوق، مولّدةً في نفوس العرب، والفلسطينيين خاصة، مزيداً من الصمود والكرامة.
وكما نجحت المقاومة الوطنية في طرد العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان بفضل التضحيات والتماسك بين أبنائها، ستنجح المقاومة الفلسطينية في غرز المخرز في العين الإسرائيلية، وهذا ما أثبتته معركة المواجهة الأخيرة في قطاع غزة، إذ اهتزّت المستعمرات الإسرائيلية إثر “أيام الغضب” الفلسطينية، وساد الرعب بين المستوطنين.
إذاً، هو عدوٌّ لا يفهم إلا لغة العين والمخرز، ولن تجدي معه أيّة لغة تفاهم أو تفاوض، ومن يعوّل على أيّ اتفاق معه ساذج وواهم، ولم يفهم أيّ درس من الماضي!.
ريناس إبراهيم