حديث الأسعار “سيرة على كل لسان” سهام “الرقابة” أصابت الصغار وابتعدت عن “الحيتان”.. والمستهلك بلا “حماية”!!
بات ارتفاع الأسعار في الأسواق سيرة المواطنين اليومية، ولاسيما بما يتعلق بالمواد الأساسية والغذائية في ظل زيادة الأسعار الخيالية؛ مما شكل حالة قلق عند المستهلك وسط صعوبة وضع حد من مديريات “حماية المستهلك” لجشع التجار وفلتان الأسواق بحجة ارتفاع سعر الصرف، ليصبح غلاء الأسعار “مالئ الدنيا وشاغل الناس” وخاصة مع وجود أصحاب الشائعات عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وبث الأخبار بشكل عشوائي عن فقدان بعض المواد والسلع؛ مما أفسح المجال أمام تجار الأزمات لاحتكار مواد بهدف رفع أسعارها، وتشكيل أزمة بسبب كثرة الطلب عليها مع قلة العرض.
اتهامات واستياء
“البعث” استطلعت واقع الأسواق في دمشق وريفها، ودخلت بعض المحال التجارية، حيث تطغى فوضى الأسعار مع اختلاف سعر مادة معينة بين محل وآخر “فكل تاجر يبيع على ليلاه”، إضافة إلى فقدان سلع بحجة كثرة الطلب أو غلاء أسعارها؛ مما يمنع من استجرارها من تاجر الجملة، حسب أقوال أصحاب المحال، ولم يتردد هؤلاء في رمي كرة الاتهام في ملعب تجار الجملة والمنتجين الذين يسعرون على مزاجهم تاركين بائعي المفرق في وجه دوريات حماية المستهلك، مكررين مطالبتهم بملاحقة المنتج وحيتان السوق وعدم الاستقواء على محال البائعين.
وأبدى مواطنون استياءهم من أوضاع الأسواق والغلاء الحاصل غير المبرر في أغلب الأحيان وخاصة المواد التي لا تخضع ولا تتعلق بارتفاع سعر الصرف، معتبرين أن ضبوط ومخالفات دوريات الرقابة التموينية للبائعين لا تجدي نفعاً كون المستهلك من يدفع الفاتورة في النهاية، إضافة إلى وجود بعض ضعاف النفوس من المراقبين، ومزاجية تنظيم الضبط واختيار نوع المخالفة وقيمتها حسب ما يدفع له التاجر.
عقوبات وتشديد
ومع تأكيدات المعنيين في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على ضبط الأسواق وتشديد العقوبات والإغلاقات، لاسيما الحملات التي قامت بها مديريات “حماية المستهلك” في المحافظات، بين مدير حماية المستهلك في الوزارة علي الخطيب أن الدوريات في حالة استنفار كامل موزعة في الأسواق تنظم الضبوط وتركز على المخالفات الجسيمة، مشدداً على ملاحقة المنتج والتدقيق على الفواتير والقيام بجولات ميدانية على المنشآت الكبيرة والمعامل للتأكد من سلامة المنتج وعمليات التسعير ومراقبة الفواتير التي تصدر لبائعي المفرق مع هامش الربح اللازم الذي يوضع للسلعة حسب القانون، منوهاً إلى ضرورة تفعيل ثقافة الشكوى لدى جميع المواطنين وخاصة أن الكثير من الضبوط والمخالفات تمت من خلال شكاوى واردة إلى المديريات أو الوزارة.
ومن حديث الخطيب عن ضرورة تفعيل ثقافة الشكوى يرى مراقبون أن المواطن يفتقد لأكثر من ثقافة، ليس فقط الشكوى بل ثقافة الترشيد ومقاطعة المواد التي ارتفعت بشكل كبيرة، أو احتكرت من قبل تجار يمكن الاستغناء عنها، معتبرين أن الحديث أصبح مكرراً عن هذه المواد وتسليط الضوء عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، حيث أخذت حيزاً واسعاً بالنقاش عبر تصريحات المعنيين؛ مما حرف الأنظار عن قضية ارتفاع المواد الأساسية مثل السكر والمازوت والمواد الغذائية.
تأجيج الأزمة
واعتبر خبراء اقتصاديون أن التاجر استغل غياب ثقافة المقاطعة للمواد غير الأساسية عند المواطن الذي لعب دوراً بغير قصد في تأجيج أزمة الغلاء وفقدان السلع من خلال إصراره على شراء كميات كبيرة من هذه السلع خوفاً من ارتفاعها أكثر أو فقدانها من الأسواق.
الخبير الاقتصادي الدكتور سنان علي ديب إلى أن أغلب المواطنين انتهجوا ثقافة الترشيد بما يتناسب مع التضخم والقدرة الشرائية باستثناء شريحة ضيقة لم تتأثر بشيء، معتبراً أن ثقافة الترشيد أو المقاطعة لبعض المواد تحتاج لثقافة وطنية تتكرس عبر التثقيل الإعلامي، وعبر التوعية لمؤسسات التنشئة وعبر قرارات للشريحة ذات البذخ بما يقوي الاقتصاد ويقلل مرحلياً الصرف، مع منع تهريب السلع التي تنعكس سلباً على ارتفاع سعر الصرف.
وأوضح ديب أنه منذ بداية الحرب هناك دعوة لمقاطعة السلع غير الأساسية التي ترتفع من دون مبرر من خلال تشكيل جمعيات أهلية، وخاصة أن جمعية حماية المستهلك لا تقوم بالدور المنوط بها كون المشكلة أنها تتبع لوزارة “حماية المستهلك” التي تبنت حرية السوق وابتعدت عن مكافحة الاحتكار وضبط الأسعار، إلا في ردات فعل تصيب الروافد بدلاً من الجذور، مبيناً أنها لم تستطع أن تتدخل بشكل إيجابي بأسعار قائدة للسوق، لاسيما أن مصدر أغلب السلع من الاستيراد أو شراء من وكلاء لهؤلاء المستوردين، وهنا نقطة الضعف، إضافة إلى أن أدواتها لم تكن رادعة لعدم وجود ضوابط لمنع التجار من الشراء واحتكار التسعير.
ولم يخفِ ديب فقدان الثقة بين المستهلك وأجهزة الرقابة؛ ولذلك لابد من آليات لتوسيع الرقابة عبر لجان مشتركة، وكذلك تفعيل دور الإعلام وإعادة الثقة وتكاتف وتعاون جميع الجهات المعنية، والعمل بشفافية وانضباط بعيداً عن المصالح والفساد وجعل مصلحة المستهلك أولاً.
تعاون وتوجيه
رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها سراب عثمان اعتبرت أن الجمعية تقوم بدورها من خلال مراقبة الأسعار على الواقع الفعلي دون تدخل مباشر في الأسواق، حيث يتم التواصل مع الجهات المعنية ونقل واقع الأسعار وفق مشاهداتنا، منوهة بالتعاون والتنسيق الدائم مع وزارة “حماية المستهلك” من خلال المشاركة باللجان المنبثقة عن الوزارة، إضافة إلى مشاركة الجمعية بتعديل قانون حماية المستهلك رقم /١٤/ لعام 2015.
وحول ثقافة الترشيد أوضحت عثمان أنه يتم توجيه المستهلكين بالترشيد والحد من استهلاك المواد الكمالية في حال حصول الأزمات بغية خفض الأسعار، كما يتم إرشاد التجار وأصحاب الفعاليات إلى ضرورة الإقلال ما أمكن من أرباحهم خلال هذه الفترة على الأقل، مشيرة إلى أن التوزيع المستمر للبروشورات والإرشادات والتعليمات خلال جولاتها على الأسواق، ونشر ثقافة الشكوى وطريقة الاستهلاك وحقوق المستهلك.
كما أنها تقوم شهرياً وبشكل دوري بمحاضرة لأحد المعنيين في مجال حماية المستهلك والمجالات التي تهم المواطنين.
التماس أعذار
يلتمس متابعون لعمل الجمعية العذر في عدم القيام بدورها الكامل والضغط على الوزارة والوقوف في صف المواطن كون الوزارة تقدم خدمات للجمعية، ولعل أهمها المقر الحالي، لترد عثمان أن عمل الجمعية ليس مرتبطاً بمكان أو مكتب أو كرسي، بل بالوجود في الأسواق وسبر الأسعار ونقل الشكاوى إلى الوزارة التي بدورها تتعاون مع الجمعية في أي مقترح بناء يخدم المصلحة العامة وخاصة مصلحة المواطن.
قانون ولكن ..
وآخر القول ومع هذه الفوضى في الأسواق يرى خبراء أن العلاج الناجع لحماية المستهلك ولجم ارتفاع الأسعار وكبح ممارسات حيتان السوق بتطبيق قوائم “التشهير”، أو بما يسمى القوائم السوداء بحق التجار المرتكبين كونها تجربة حققت نتائج إيجابية وفعالة في بعض البلدان، وساهمت في الارتقاء بجودة المنتجات، علماً أنه كانت هناك نوايا ومحاولات سابقة لتطبيق هذا الرادع، لكنه لم يبصر النور بعدما باءت جميع الإجراءات والمحاولات بالفشل، فمها كانت القوانين والقرارات صارمة لا يمكن أن تضبط الأسواق ما لم يحكم عمل التجار الأخلاق والضمير.
علي حسون