ثقافةصحيفة البعث

“غولدن لاين” في تُحفتها الجديدة

مسلسل “سلاسل دهب”، كتابة “سيف رضا حامد”، واخراج المخرج الواعد “إياد نحاس”، والذي يعرض هذه الأيام على قناتي “لنا” وسورية دراما، بعد أن عُرض في الموسم الدرامي الرمضاني الأخير، يطرح سؤالا كبيرا على من يشاهده وهو: ماذا يخسر المرء إذا لم ينظر إلى الشاشة لمشاهدته؟

يمكن لمن يتفرج على العمل المذكور، أن يتابع أي عمل آخر يقوم به، يمكن مثلا لسيدة المنزل، أن تعتني بأي تفصيل من “جلي، وطبخ وغيره”، وما عليها إلا أن ترفع صوت التلفزيون قليلا، حتى تفهم كل شيء، ويمكن أيضا لمن يقود سيارته أن يلتحق أيضا بمتابعة العمل، مكتفياً فقط بصوت الممثلين.

هناك مشكلة في النص يفاقمها الإخراج، إلا وهي أن لا شيء يحدث، الحوار يتكفل بكل شيء، يبدأ مشهد بالحوار، وينتهي بالحوار، وينتقل إلى مشهد ثان ثم ثالث بالحوار وهكذا، الشخصيات لا يفعلون ولا يتصرفون القصة، بل يحكيها لنا الجميع على مدار الحلقة، لا بد أن أوراق السيناريو فارغة على اليمين، ومكتظة ومفعمة ومثقلة بالحوار على اليسار، طبعا الجهتان بالنسبة للقارئ، الذي لا يعرف لماذا تمت الموافقة على نص كهذا!

زيادة في بلّة الطين، قام المخرج بصرف جهود مهولة على الإضاءة، وهي لا تُحسب له بجميع الأحوال، كان من المفروض أن يخفّف من مشاكل النص، ولكنه ترك لكل ممثل أن يؤدي بدون أي ارشاد إخراجي او إدارة، وهو إجراء قد ينفع عندما يكون هناك نص مقبول، لكن المخرج فعل ذلك، لأنه من الواضح أنه يصب جام تفكيره على الإضاءة، مما جعل الكثير من الممثلين يؤدون بأصوات مصطنعة، كأن يجعلون أصواتهم أكثر ثخانة أو اكثر حدة،تحت وَهم أن ذلك قد يحقق تمايزا بين الشخصيات، في “الكاستينج” تُصبح المشكلة مضاعفة أيضا، فالتكرار والتشابه ليس فقط في الشخصيات على ما يبدو، بل أيضا في مظهر الممثلات، اللواتي وكأنهن قد خرجن للتو، من عند نفس طبيب التجميل، الذي زودهن بحقن “البوتكس”، أما الرجال فقد خرجوا من عند نفس الخياط، ومنذ خمس دقائق تقريبا، فيظهرون بنفس انموذج الملابس، المتشابهة في التصميم والألوان.

كأن هناك قرار إخراجي مسبق، بحركات “الشاريو” البعيدة، أو التقطيع بلا مبرر، لإضفاء إيقاع على مشهد، هو أساسا بلا إيقاع!

التُحف السابقة التي جاءت في مسلسل “سلاسل دهب”، قد تكون بسبب ظاهرة تشهدها الدراما المحلية مؤخرا، فبعد “وردة شامية” –مروان قاووق-تامر إسحاق-الذي حاولوا فيه “خلط” تراجيديا “ريا وسكينة”، مع أعمال البيئة، يقوم الآن هذا العمل بخلط عوالم “صرخة روح”،مع عوالم البيئة، على افتراض أن نوع “البيئة” المتهالك، يمكن تجديد شبابه بهذه “الخلطات”، فظهرت تلك الأنواع النافرة على وجه –البيئة-تماما مثل البوتكس، وتلك ميزة نُحسب لصُناع العمل، وهي ميزة وحيدة فيه،الشكل الاصطناعي يعبر عن مضمون اصطناعي.

قد يتطور الأمر في المستقبل القريب، إذا اصروا على محاولة إنعاش هذا النوع، ربما يجلبون إليه أيضا، غير ما سبق، ثيمة أفلام الرعب، الأمر الذي كان ظاهرا في “وردة شامية”، لكن بطريقة ركيكة، ومن يعلم، قد يشتركون مع عالم “مارفل”، لأجل هذا الغرض، فنرى شخصية خيالية، في دكان الحلاق، أو امرأة الكترونية، تقوم بوضع تعويذة لضرتها الكريستالية.

الأداء الرفيع كالعادة للنجم الكبير “بسام كوسا”، هو الرافعة الوحيدة للعمل، ولكنها أيضا مغامرة نتمنى على فناننا الذي يسحرنا تمثيله دائما، ألا يتورط بشخصيات ممسوحة الملامح وغير واضحة، لأن الأداء مهما كان رفيعا، لا يستطيع أن يُنقذ شخصية غير مكتوبة بشكل جيد، لكن من الواضح، أن نجمنا قد أضاف الكثير حتى على الشخصية، ليرفعها قليلا وبصعوبة، إلى مستواه البديع.

بالمقابل ظهر الفنان “علي كريم” –أبو سليم-يكرر نفس شخصية “أبو النار” –باب الحارة-لكنها غير ملائمة هذه المرة، فالسابقة في “باب الحارة”، كانت الشخصية شجاعة، هوجاء، سهلة التحريض، يسحب فورا خنجره للعراك، أما هنا فيظهر متعرضا لمؤامرات “مهيوب”، صحيح أنه كان في “باب الحارة”، أيضا يتعرض لمؤامرات “الإدعشري”، والهزائم من “العكيد”، لكنه كان لديه مهنة واضحة استمد منها لقبه، وخنجرا يُشهر.

أيضا نجمتنا “كاريس بشار” تُغامر في تقديمها هذه الشخصية، فتظهر دون المستوى المألوف منها، وكذلك تفعل صباح الجزائري، فنانتنا القديرة.

التمسك بأعمال البيئة والمراهنة عليها، يرجع إلى سبب إنتاجي بحت، فهي سهلة وغير مكلفة، بعض الملابس، وبضع بيوت داخلية لمشاهد البحرات والباحة و”الزريعة”، وهناك ديكورات “مدينة الفارس”، للحارات الخارجية،المزودة بمقهى وزقاق وواجهات محال، كما أنها سهلة إخراجيا، فكل مخرج يُقلد من سبقه في هذا النوع–أي البيئة-، على مستوى الكاميرا والإضاءة والمونتاج؛ يبقى التسويق، والذي هو “ملعب غولدن لاين”، صاحبة النظريات الجديدة في فن التسويق.

تمّام علي بركات