يد اللوبي الإسرائيلي في سرقة النفط العراقي والسوري
هيفاء علي
تكشّفت الأوراق وأصبح كل شيء واضحاً وضوح الشمس حول دور عملاء اللوبي الأمريكي الصهيوني في سرقة النفط السوري والعراقي، وكيف يسهل هذا اللوبي الجوانب الأكثر سرية للتعاون الأمريكي- الإسرائيلي وتنفيذ السياسات التي ترضي الكيان الإسرائيلي. فعلى الرغم من وعده بانسحاب القوات الأمريكية وإنهاء احتلالها غير الشرعي لسورية، اعترف ترامب بصراحة وقحة أنه تمّ ترك قواته لمنع الحكومة السورية من تطوير موارد النفط السورية.
لقد أدى اللاعبون الكبار في اللوبي الأمريكي المؤيد للكيان الإسرائيلي دوراً رئيسياً لبيع النفط السوري له، وهذا الأمر يقدّم مثالاً واضحاً للدور السري الذي اعتادت جماعات الضغط الأمريكية المؤيدة للكيان الإسرائيلي القيام به في تشكيل العناصر الرئيسية للسياسة الخارجية، وفي إبرام صفقات كبيرة ذات أهمية إقليمية.
وعليه، فإن الجهود التي يبذلها الكيان الإسرائيلي للحصول على تسهيلات من الولايات المتحدة لبيع النفط السوري له ليست حادثة منفردة، فمنذ بضع سنوات فقط تلاعب الأفراد الآخرون المرتبطون باللوبيات الصهيونية نفسها والمحافظون الجدد الصهاينة بالسياسة الأمريكية وحكومة إقليم كردستان العراق للسماح ببيع النفط العراقي إلى الكيان الإسرائيلي دون موافقة الحكومة العراقية. هذه المشاريع، مثل تلك المستمرة في سورية، كانت في خدمة الجهود الحثيثة التي بذلها المحافظون الجدد والصهيونية لـ”بلقنة” العراق من خلال تعزيز حكومة إقليم كردستان وإضعاف الحكومة العراقية. وضمن هذا السياق، استوردت إسرائيل كميات هائلة من النفط من متزعمي الميليشيات الكردية خلال هذه الفترة، كل ذلك دون موافقة بغداد.
في وقت سابق من هذا العام، قبل فترة طويلة من تشكيل سياسة ترامب الجديدة تجاه سورية لـ”لسرقة النفط”، فاز شخص آخر له علاقات عميقة مع اللوبي الأمريكي المؤيّد للكيان الإسرائيلي بصفقة مربحة مع متزعمي الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في سورية. كشفت عنه وثيقة رسمية صادرة من قبل ما يُسمّى المجلس الديمقراطي السوري المدعوم من الولايات المتحدة، وهي شركة في نيو جيرسي، أسسها ويديرها مردخاي “موتي” كاهانا، وهو مواطن إسرائيلي أمريكي، “لاستثمار” النفط في الأراضي التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية.
المدعو كاهانا أكد صراحة أنه يمثّل الأنشطة النفطية للميليشيات هناك، بعد فترة وجيزة من تبني ترامب لسياسة “الحفاظ على النفط السوري” المثيرة للجدل، ويبدو أنه حصل على الموافقة لتقوم شركته بتصدير النفط السوري نيابةً عن متزعمي الميليشيات إلى الكيان الإسرائيلي من دون أي عوائق بحسب العديد من وسائل الإعلام الغربية.
ومن الضرورة بمكان الإشارة إلى أن كاهانا متورّط في الحرب على سورية إلى أذنيه، وليس فقط في نهب النفط السوري، حيث لعب دوراً رئيسياً في تشجيع وتمويل التنظيمات الإرهابية في سورية، وقد ثبت أنه استخدم “المسلحين” لاختطاف اليهود السوريين ونقلهم إلى الكيان الإسرائيلي بالقوة والإكراه. كاهانا هو الذي قام بتمويل وتنظيم رحلة السيناتور جون ماكين إلى سورية، حيث قابل المسلحين السوريين، بمن فيهم خالد الحمد الذي ظهر شريط فيديو له وهو يأكل قلب جندي سوري، وقد اعترف ماكين بأنه قابل عملاء “داعش” في تلك الزيارة.
إضافة إلى ذلك كان كاهانا العقل المدبّر وراء شخصية “قيصر” المثيرة للجدل، حيث قام بإحضار “معارض” سوري يستخدم الاسم المستعار “قيصر” إلى الولايات المتحدة لتقديم تقارير يومية مفبركة حول “ارتكاب الحكومة السورية أعمال التعذيب والجرائم”، إلا أن هذه المزاعم فقدت مصداقيتها في وقت لاحق من قبل المحلّلين المستقلين. كما شارك في الجهود الإسرائيلية الفاشلة لإنشاء “منطقة آمنة” في جنوب سورية لتوسيع أراضيها سراً من مرتفعات الجولان المحتلة إلى القنيطرة. وكاهانا هذا تربطه علاقات عميقة باللوبي الأمريكي الصهيوني، بما في ذلك معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
مكائد كاهانا وساترفيلد لتوجيه السياسة الأمريكية لمعالجة تدفق الهيدروكربونات السورية لصالح الكيان الإسرائيلي استخدمت نفسها في العراق. ففي رسالة بريد إلكتروني نشرت بتاريخ 15 حزيران 2014، كشف جيمس فرانكلين جيفري السفير السابق في العراق وتركيا والممثل الخاص الحالي للولايات المتحدة في سورية، لستيفن هادلي، مستشار جورج بوش الإداري السابق الذي يعمل في المعهد الأمريكي من أجل السلام، اعتزامه تقديم المشورة إلى حكومة إقليم كردستان من أجل دعم إنتاج النفط في كركوك. كانت الخطة، كما وصفها جيفري، هي تزويد إقليم كردستان بالنفط والسماح بتصدير النفط إلى الكيان الإسرائيلي عبر كركوك جيهان، مما يحرم العراق من نفطه ومن ثم يعزّز المنطقة الكردية في البلاد، ومن ثم طلب الحكم الذاتي لحكومة كردستان الإقليمية.
قال جيفري، الذي تُعرف آراؤه عن الصقور في إيران وسورية، إن بريت ماكغورك، المفاوض الأمريكي الرئيسي بين بغداد والحكومة الإقليمية لكردستان، كان هو الاتصال مع حكومة إقليم كردستان. ماكغورك، الذي شغل العديد من المناصب في العراق في عهد بوش وأوباما، كان أيضاً نائب مساعد وزير الخارجية للعراق وإيران.
كان جيفري عضواً ناشطاً في فينيب “WINEP” مركز السياسة الخارجية المؤيدة لإسرائيل” ويعتنق آراء المحافظين الجدد، وقد تمّ إنشاؤه عام 1985 من قبل باحثين تركوا منظمة “ايباك” في عجلة من أمرهم للهروب من التحقيقات ضد المنظمة التي كان يرتبط بعض أعضائها بعملاء التجسّس نيابة عن إسرائيل.
تتلقى “فينيب” الدعم المالي من الجهات المانحة التي تقدّم تبرعات وفقاً للمصالح الخاصة للصهيونية وإسرائيل، من بين مسؤوليها شخصيات بارزة في الصهيونية السياسية، ومانحون للمنظمات الأخرى في اللوبي الإسرائيلي. يظل معظم أعضائها أشخاصاً قضوا حياتهم المهنية في الترويج للمصالح الإسرائيلية في الولايات المتحدة. أصبحت “فينيب” WINEP معروفة أكثر في السنوات الأخيرة، بعد أن دعا مدير أبحاثها الشهير إلى شنّ هجمات زائفة لبدء حرب أمريكية على إيران في عام 2012، والتي تتماشى بشكل جيد مع محاولات اللوبي الإسرائيلي الطويلة الأمد لإثارة مثل هذه الحرب.
ومن المعروف أيضاً أن الكيان الإسرائيلي قدّم دعماً مالياً كبيراً، إضافة إلى تزويد الجماعات الإرهابية المتطرفة الأخرى بالأسلحة بالقرب من الحدود بين مرتفعات الجولان المحتلة وجنوب سورية عندما اندلعت الحرب في سورية في عام 2011. كان على الأقل أربعة من هذه التنظيمات الإرهابية يقودها أشخاص لهم صلات مباشرة بأجهزة المخابرات الإسرائيلية. هذه المجموعات نفسها، التي يتمّ تقديمها أحياناً على أنها “معارضة معتدلة” من قبل بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، وقاتلت الحكومة السورية حتى قبل وجود “داعش”.
إضافة إلى ذلك، اعترف المسؤولون الإسرائيليون علانيةً بالحفاظ على اتصال منتظم مع خلايا “داعش” في جنوب سورية، وأعربوا علناً عن رغبتهم في ألا يتمّ دحر “داعش” في البلاد. وفي ليبيا، تمّ العثور على عملاء الموساد الإسرائيليين داخل “داعش”، مما يشير إلى أن الكيان الإسرائيلي لديه روابط سرية مع التنظيمات الإرهابية خارج سورية وليس فقط في سورية.
ارتباط “فينيب” WINEP الوثيق بـ”ايباك”، التي تجسّست على الولايات المتحدة نيابة عن إسرائيل عدة مرات في الماضي دون أي نتيجة، وكذلك معرفة جيفري الطويلة الأمد بالشخصيات الأمريكية الرئيسية في العراق، مثل ماكغورك، كانت نقطة انطلاق مثالية للكيان الإسرائيلي في العراق. بعد تنفيذ خطة جيفري، شكّلت واردات النفط الإسرائيلية من حكومة إقليم كردستان 77٪ من إجمالي واردات النفط خلال احتلال إقليم كركوك.
حقيقةً، يوضح ارتباط فينيب WINEP بصفقة النفط بين حكومة إقليم كردستان والكيان الإسرائيلي الدور الرئيسي الذي يلعبه اللوبي الأمريكي المؤيد للكيان، ليس فقط لدعم المساعدات المالية الأمريكية لإسرائيل وإثارة التوترات مع خصومها، ولكن أيضاً لتسهيل الجوانب الأكثر سرية للتعاون الإسرائيلي الأمريكي وتطبيق السياسات التي ترعى المصالح الإسرائيلية.