دراساتصحيفة البعث

القدس ليست بأمان

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

في خطابه أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية- الإسرائيلية (AIPAC) في آذار 2016، تعهد المرشّح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب بأن تقوم أمريكا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وبعد مرور عام ونيف على انتخابه في 6 كانون الأول 2017 اعترف الرئيس ترامب رسمياً بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.

بعد عامين من اعتراف ترامب، لم يخرق هذا القرار الإجماع الدولي بشأن القدس فحسب، بل ساهم أيضاً في الحكم المسبق على قضية كان من المفترض معالجتها في المفاوضات النهائية بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، وكان للتغيير في الوضع الراهن بعد قرار ترامب تفسير رمزي عميق عزز سيادة الكيان على حساب الحقوق الفلسطينية في المدينة، وزاد من التوترات، ومنع أي أمل في أية خطة سلام في المستقبل.

مدينة القدس لها معنى خاص لكافة الطوائف الدينية بشكل عام، وتمثّل قضية القدس أحد أكثر الخطوط الحمراء حساسية وتعقيداً في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتسببت السياسة الإسرائيلية المتمثّلة في قطع الصلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الضفة الغربية والقدس الشرقية بتدهور خطير في الظروف المعيشية الفلسطينية، وأدى قرار ترامب إلى تدهور الوضع بشكل كبير.

شهدت القدس الكثير من الحصار والهجمات والكوارث، مع إضافة 72 عاماً من الاضطرابات إلى سجلها الواسع بين عامي 1948 و 1967، وغيّرت حرب الأيام الستة عام 1967 الوضع بشكل كبير، فقد احتل الكيان الإسرائيلي الجزء الشرقي من المدينة، بالإضافة إلى غالبية ضواحيها، وبالطبع يتعارض هذا الاحتلال مع القانون الدولي الذي أكدته سلسلة من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التي تعرف الجزء الشرقي من المدينة بأنه جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، ويعتبر معظم المجتمع الدولي ضم إسرائيل للقدس الشرقية وتعديل وضعها غير قانوني، وهنا يعتمد موقف المجتمع الدولي من القدس على قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC)، والجمعية العامة UNGA، لكن إسرائيل رفضت الالتزام بأي من تلك القرارات بشكل قاطع، مدعية أن القرار 181 يفتقر إلى أساس قانوني، وفي الواقع القرار 194 هو الأساس للموقف القانوني الدولي بشأن القدس، والذي ينص على أن المدينة مجموعة منفصلة، ويجب تسوية مركزها عن طريق المفاوضات، أما قرار مجلس الأمن رقم 242 فهو الأكثر أهمية بالنسبة لبقية الأراضي الفلسطينية كونه  يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة، ويؤكد أن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

وعلى العكس من ذلك، وبدلاً من الانصياع للقرارات الدولية، بدأ النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في القدس الشرقية مباشرة بعد حرب عام 1967 التي سيطرت فيها إسرائيل على الأرض الفلسطينية، وكانت المرحلة الأولى منه إنشاء مستوطنة خارجية من شأنها أن تفصل القدس العربية عن بقية الضفة الغربية، وتقوض التواصل الجغرافي بين الجزأين، ما سيمنع القدس الشرقية من أن تصبح عاصمة لأية دولة فلسطينية في المستقبل، وبدأت المرحلة الثانية في الثمانينيات، وتم إنشاء وتوسيع المستوطنات اليهودية داخل أراضي القدس المحتلة،  أما المرحلة الثالثة فهي مستمرة من خلال بناء الجدار الفاصل، وفصل المدينة عن ضواحيها التي تضم عدداً من القرى الفلسطينية والمستوطنات لمنع سبل عيش العديد من الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية.. لقد ارتفع بناء المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية التي ضمها الكيان الإسرائيلي منذ تولي ترامب مهام منصبه في عام 2017، كما تم رفض منح التصاريح للسكان الفلسطينيين، وحصرهم في أحياء مزدحمة سيئة الخدمات، إذ يعتقد أن حوالي نصف السكان معرّضون لهدم منازلهم.

وبحسب منظمة “السلام الآن” غير الحكومية في أول عامين من رئاسة ترامب وافقت سلطات الاحتلال على بناء 1,861 وحدة سكنية في مستوطنات القدس الشرقية، وزيادة 60٪ عن 1,162 وحدة تمت الموافقة عليها في العامين السابقين، كما تشير الأرقام إلى أنه تم إصدار 1,081 من التصاريح لسكن المستوطنين في عام 2017، وهو أعلى رقم سنوي منذ عام 2000، وتمت الموافقة على 1,233 وحدة سكنية للفلسطينيين في عامي 2017 و 2018.

وعلى الرغم من أن ترامب جادل بأن اعترافه لا يحول دون التوصل إلى تسوية نهائية، ولكن من الواضح أن دعمه المطلق للحكومة الإسرائيلية منحها تصريحاً مجانياً لتشديد قبضتها على الأراضي التي كسبتها بالحرب، وأنكرت على الفلسطينيين هويتهم الوطنية، وتطلعاتهم، وأية دولة فلسطينية مستقبلية.