مــــاذا بعــــد غــــــور الأردن؟
تيسير دبابنه- كاتب من الأردن
بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارة بلاده إليها، واتباع ذلك بعد فترة ليست طويلة بإعلان سيادة هذا الكيان على الجولان السوري المحتل، واعترافه بالمستوطنات التي تنتشر كالسرطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لن نفاجأ بقرار هذا الرئيس مواصلة الدعم لمخططات حليفه الصهيوني نتنياهو الذي يواجه اتهامات بالفساد والمحاكمة ويحاول الهروب بالدعوة لتشكيل حكومة ما يسمى وحدة وطنية تهدف إلى تطبيق “السيادة” الإسرائيلية على غور الأردن، وإلحاقه بالكيان الصهيوني الذي يشهد في هذه المرحلة دعماً لا محدوداً من واشنطن التي تتجاوز كل القوانين والأعراف والقرارات الدولية وتمضي قدماً في تنفيذ صفقة القرن على ظهور أنظمة تسمى عربية لا تخالف أي قرار صادر إليها من البيت الأبيض، مهما كانت أبعاده ومراميه، ما دام يضمن لها البقاء في مشيخاتها، ومهما كلفها ذلك من مليارات الدولارات النفطية لإرضاء الحامي والضامن وإبقاء سلالات تتوارث السلطة المتفردة دون أي أدنى انتماء للوطن وللأمة العربية.
فإلى أين يمضي قطاريزِ واشنطن في عمان في سياساتهم المرتهنة للإمبرياليين والصهاينة بعد انكشاف مخططاتهم ومشروعهم المدمر في الشرق الأوسط الجديد وهدايا ترامب لإسرائيل، ودعمه مشروع نتنياهو ببسط سيطرة إسرائيل على غور الأردن، وهو الخطوة الأخيرة لاستلاب أرض فلسطين كاملة، وإقامة الوطن البديل على الأرض الأردنية بعد تهيئة الشروط السياسية والديمغرافية والجغرافية والحمائية، بينما يواصل قطاريز واشنطن في عمان، الذين يتحكمون بمقدرات البلاد والعباد، بالرضوخ لتوجيهات البيت الأبيض، ظناً منهم أن هذا ما يكفل لهم الاستمرار في مواقعهم وحمايتهم من الغضب الشعبي، والرفض المطلق لنهجهم وارتهانهم بيد سادة البيت الأبيض يحركهم كما يريد.
الأحداث تتسارع في منطقتنا وصفعة القرن الممهورة بالختم الصهيوني تقترب من إنجاز أهم بنودها على حساب المملكة الأردنية، ولا نعتقد أن وكلاء واشنطن في عمان يجهلون ما يجري، ولكنهم يتجاهلون ذلك ظناً منهم أن شعبنا في الأردن لا يدرك حجم النكبة التي ستحل بالوطن والأمة، وكيف لا وحكومة الرزاز لم تلق بالاً لقرار مجلس النواب برفض اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني والرفض الشعبي العارم لهذه الاتفاقية، التي ستبدأ عمليات ضخ الغاز من الكيان الصهيوني إلى الأردن خلال الأشهر الأولى من العام القادم، ولا تزال الورشات العاملة على تمديد الأنابيب الخاصة بهذه الاتفاقية جارية وبتسارع ملحوظ، ويتوقع الانتهاء منها نهاية العام الحالي.
عربان الخليج يستقبلون بالأحضان بين فترة وأخرى مسؤولين صهاينة لتطبيع العلاقات وتعزيز الروابط مع الكيان الصهيوني، واتباع واشنطن في عمان يتعامون عن مخطط تصفية القضية الفلسطينية وإقامة الوطن البديل في الأردن، وقد مرت عدة أسابيع على إعلان السفارة الأميركية لجميع الأردنيين (“الأكاديميات العسكرية في الولايات المتحدة تريدكم، هل أنت طالب مرحلة ثانوية، أو لديك شهادة ثانوية عامة ومهتم في الخدمة في الجيش الأميركي؟ هل ترغب في الدراسة في كلية خدمة عسكرية في الولايات المتحدة مثل ويسن بوينت في نيويورك أو أكاديمية السلاح الجوي في كولورادو؟”)، ولم نسمع حتى اليوم تصريحاً أو تلويحاً رسمياً برفض هذه الدعوة الغادرة، ولم يصدر منع رسمي حيال إرسال أي أردني للعمل في الجيش الأمريكي.
لم تفقد حكومة الرزاز ذاكراتها لتنسى أن هذا الإعلان جاء قبل عشرين عاماً تقريباً، مع الإعداد لغزو العراق، حين نشرت اشنطن إعلاناً مماثلاً تطلب فيه مجندين عراقيين في الجيش الأميركي، وقد تم لها ذلك واستخدمتهم خلال غزوها العراق كمترجمين وجواسيس، ولماذا تناست أيضاً الإعلان نفسه للشباب من اللاجئين السوريين لاستخدامهم كدروع بشرية في الحرب الكونية على سورية؟.. السفارة الأميركية في عمان تشجع الشباب في الأردن على الالتحاق بالجيش الأميركي بينما يراجعها ما يقارب 400 أردني يومياً ويتم رفضهم جميعاً بحجة الهجرة أو الإقامة، وحكومة الرزاز تغط في صمت مريب ومخز يتوافق مع مواقف عربان الخليج التي شكلت غطاء لخازوق القرن!!
إن الحراك الشعبي في الأردن الذي لم يتوقف ولن يتوقف حتى كنس حكومة منغمسة في تنفيذ المخططات المعادية لأمتنا، وجعلت من الأردن ساحة أقيمت عليها عدة قواعد عسكرية للإمبرياليين، ويتدرب فيها مجاميع الإرهابيين والقتلة الذين التحقوا بداعش والنصرة، وغيرهما من منظمات القتل والحرق والتدمير وحاضنتهم الإخوان المسلمين.
يأتي ذلك وفق المخطط الأميركي الذي يعمل على رص صفوف حلفاء واشنطن واتباعها الذين يعملون حسب توجيهاتها، ودون أي محاولة قد تبدو خروجاً عن السرب، وهم السعودية والإمارات والبحرين وتركيا ومصر والأردن، وهذا الحلف المناط به اليوم استمرار حركته في العمل على مواصلة استهداف سورية العربية وتفتيتها وتقسيمها إلى دويلات طائفية ومناطقيةِ، بعد فشل الحرب الكونية التي شنت عليها، وتحقيقها انتصاراً تاريخياً لا مثيل له في العصر الحديث.
كانت الصدمة شديدة القسوة على واشنطن وأتباعها بعد أن أدركت أن مخططها الذي كلف مئات المليارات من الدولارات قد فشل فشلاً ذريعاً وأن مشروعها الجهنمي وتجيشيها مئات آلاف المجرمين والقتلة المشحونين بالفكر الوهابي التكفيري، قد سقط، لتسحق فلولهم على يد جيش عظيم وشعب صامد وقائد فذ سجلوا معاً أسطورة ستتناقلها الأجيال في البسالة والتضحية والدفاع عن أرض الوطن، وألحقوا هزيمة مدوية بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وإسرائيل، وأتباعهم من العربان الملتحقين بالحلف الإمبريالي الصهيوني.