التغيير الديمغرافي شمال سورية.. سياسة أردوغانية خبيثة
قسم الدراسات
يسعى “أردوغان” باستماتة إلى تغيير الخريطة الديموغرافية شمالي سورية من خلال العدوان على الأراضي السورية، والقيام بعمليات تطهير عرقي في المناطق التي يحتلها. يهدف “أردوغان” من ورائها إلى تهجير السكان الأصليين واستبدالهم بالإرهابيين المعادين للدولة السورية، وهو بذلك يرتكب أبشع الجرائم، ويهدّد السلام والاستقرار في شمالي سورية، مستخدماً ذرائع خبيثة كاذبة، في حين يراه الجميع يستخدم مقاتلين إرهابيين لتنفيذ مطامعه وأهدافه، وسط مطالبات من المجتمع الدولي بوضع نهاية سريعة للعدوان التركي.
أطلقت تركيا عملية توغّل مخطّطاً لها منذ مدّة طويلة في شمالي سورية في التاسع من شهر تشرين الأول الماضي على طول الحدود التركية– السورية، ما يؤكّد أن الهدف التركي يسير باتجاه تغيير ديموغرافي لتلك المنطقة الواقعة تحت سيطرة فصائل مدعومة من أنقرة، بما يتناسب وميولها، عبر التخلّص من السكان الأصليين، وزرع آخرين بدلاً منهم، في منطقة تحوي خليطاً من السكان، كان متجانساً حتى الأمس القريب قبل التدخل التركي فيها، وهو ما يشكّل مخاطر حقيقية من مساعٍ مشبوهة لخلق عداء طويل الأمد بين المكونات السورية.
ووفقاً لمديرة أبحاث مؤسسة السلام العالمية “بريدجيت كونلي”، فإن: “التوغل التركي المستمر في شمالي سورية يوضح بصمات واضحة للتطهير العرقي”. وإن: “تصريحات الحكومة التركية تشير إلى نيّة تشريد السكان، واستبدالهم بالمجموعات المسلّحة التابعة لهم، وتُتبع هذه السياسة بالقمع وانتهاكات حقوق الإنسان”.
ومنذ بدء العدوان التركي، وقعت عمليات قتل ومصادرة ونهب للممتلكات الخاصّة على نطاق واسع، وقد أظهرت مقاطع فيديو مدنيين فارين يترجلون من سياراتهم ويُرمون بالرصاص على جانب الطريق من قبل قوات ما يُعرف بـ”الجيش الوطني”، المدعوم من أنقرة. وبينها إعدامات خارج نطاق القانون، والتمثيل بالجثث، وتهديد المواطنين، ما ترك آثاراً مهولة من الرعب في نفوس عشرات الآلاف من المدنيين. ويروي هذه القصة نفسها عدد لا يُحصى من النازحين في المخيمات والملاجئ المؤقتة التي نشأت في الأشهر الماضية، وترسم هذه القصص صورة حملة تطهير عرقي.
ونقل مراسلون خلال زياراتهم للمستشفيات صوراً لأطفالٍ يموتون بفعل الفوسفور الأبيض الذي يحرق الأجساد. وقيل إنه ناتج عن قنابل أو قذائف أسقطتها أو أطلقتها القوات التركية الغازية، ما يعني أن هدف “أردوغان” هو التطهير العرقي شمالي سورية.
والخطير في الأمر أن تركيا تستخدم عناصر من تنظيم “داعش” الإرهابي في القتال ضدّ المدنيين، وطلبت منهم عدم الرأفة والذبح والقتل حتى للأطفال والنساء قبل الرجال. وهذا ما خلق قلقاً متزايداً من أن مثل هذه الأوضاع يمكن أن تسرّع بعودة تنظيم “داعش” الإرهابي.
وفي هذا السياق، ذُكر أن مركز “سيتا” التركي للدراسات كشف مؤخراً في وثيقة أن 21 مجموعة إرهابية التحقت بمرتزقة “أردوغان” كانت تحصل على دعم الولايات المتحدة، سواء بشكل مباشر عبر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، أو عبر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “C I A”، وغرفة العمليات التابعة لها في تركيا، وقد انتقلت الآن لإكمال جرائمها تحت زعامة “أردوغان” في عدوانه الحالي على الأراضي السورية.
وأعطت حملة النهب الواسعة ومصادرة الممتلكات للمواطنين ومنع عودتهم، التي سجّل المقاتلون الكثير منها بأنفسهم، الانطباع بأن هذه الجماعات تحاول إخافة المواطنين من العودة.
ويخشى النازحون من سكان المنطقة المتكدسين في معسكرات للنازحين بشمالي شرق سورية والعراق، عدم تمكنهم من العودة إلى مناطقهم، فيما يبدو أن هذا هو الهدف الرئيسي من الغزو التركي في المقام الأول، ويرى الكثير من السكان الأصليين العديد من الدلائل على أن هذا التغيير سيكون دائماً. فهم يعتمدون في استنتاجهم على العملية الأخيرة التي شنّتها تركيا في منطقة عفرين، حيث إنه في أوائل عام 2018، استخدمت تركيا المجموعة نفسها من الإرهابيين للسيطرة على شمالي سورية.
وتظهر شهادات النازحين في معسكرات الإيواء، صورة قاتمة للتغيير الديموغرافي الكبير، الذي يجري بإشراف أنقرة والقوات الموالية لها، وتؤكد تلك الشهادات كذب ادعاءات “أردوغان”، الذي ادّعى قبيل انطلاق العمليات العسكرية لقواته، أن الهدف هو إنشاء منطقة آمنة على الحدود بين تركيا وسورية.
إن المجتمع الدولي مطالب بالضغط على أنقرة من أجل إنهاء عملياتها العسكرية والانسحاب فوراً من المنطقة وامتثالها للقانون الدولي، وإعطاء أولوية لحماية المدنيين، والتوقف عن مهاجمة البنية التحتية المدنية التي لا غنى عنها لبقاء السكان، مثل مرافق المياه، وإلزام النظام التركي والجماعات المسلّحة المتحالفة معه بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ووقف مصادرة الممتلكات والنهب والاعتقالات التعسفية وتدمير الممتلكات الثقافية.