حلب تحتفل بذكرى رائد الرواية في سورية شكيب الجابري
ضمن احتفالية حلب عاصمة الثقافة السورية أقامت مديرية الثقافة مهرجاناً رعاه وزير الثقافة محمد الأحمد، تم الاحتفاء بذكرى رائد الرواية الفني الأولى في سورية شكيب الجابري الروائي والمهندس الذي وُلِدَ في حلب عام 1922، وتوفي في البقيع عام 1992، أرسله والده إلى بيروت للدراسة في الجامعة الوطنية في عالية، ثم سافر إلى جنيف لإكمال دراسته، وهناك حصل على دبلوم مهندس كيمياء من جامعتها، كما حصل على دكتوراه في العلوم الفيزيائية، وحصل على شهادة للتنقيب عن المعادن. كان رئيساً لاتحاد الطلاب العرب، وخطيب مؤتمر الشباب العربي، وشارك في المظاهرات ضد الفرنسيين، وقبض عليه، ونفي خارج الوطن، ثم أفرج عنه على أن يغادر البلاد، توظف في جنيف، فعين هناك سكرتيرا في عصبة الأمم، ثم وزيراً مفوضاً لسورية في إيران وبلاد الأفغان، حين عودته لسورية أصبح مديراً للمعادن ومراقباً للشركات الأجنبية، فمديراً لمعمل الزجاج في دمشق، وبعدها ترك الوظيفة ليتفرّغ لمهنة الأدب، متنقلاً بين دمشق، وحلب، وبيروت وأوروبا.
لقد خبر الحياة بكلّ أبعادها، فهو يتقن اللغات الألمانية والفرنسية ويلم بالإنكليزية، عاش في الغربة والوطن حياة حافلة تستدعيه أن يكتب روايات عنها، فكتب رواية “نهم” وهي البداية الفنية شبه المكتملة للرواية السورية، كان هاجسه الأوّل الصدام بين الشرق والغرب، كعادة الأوائل الذين ذهبوا إلى بلاد الغرب، فصوّروا حضارة الغرب على أنها مادية أمام حضارة الشرق على أنها روحانية، فالغرب مادي، كلّه نساء وسهر، وهذا القادم من الشرق بطهرانيته ينغمس في مادية هذا الغرب فهو جائع إلى النساء والخمر لا يشبع منهما، ثم يصحو على رسالة تأتيه من الوطن، فيعود إليه ليجد الأب وهو يحتضر، ويبلغه بأنه الوريث الوحيد لكلّ أمواله وأعماله، فيعود إلى أوروبا ويصفي أعماله فيها من نساء ودراسة، وهذه الحكايات شغلت المحور الفكري لدى شكيب الجابري، ولكن بدرجات متفاوتة فرواية “نهم” تتحدث عن رجل من أصول شركسية، وسيم ومغامر، ينتقل عبر أوروبا، معروف بحبّه للنساء، فهو يطاردهن من مكان إلى مكان، بما أنعم الله عليه من مال ووسامة وقوة، تنتهي الرواية بأن يلتحق هذا الرجل بالثوار الإسبان الذين يقومون بالثورة على الجنرال “فرانكو”، حينذاك يعلق بحبّ واحدة إسبانية.
في رواية “قوس قزح” التي صدرت في عام 1942، نجدها قائمة على الرسائل، وهي طريقة جديدة على الرواية العربية في تلك الأيام، إنها قصة حبّ بين طالب عربي يدرس في ألمانيا، وشابة ألمانية، وتنتهي الأولى قوس قزح حين يعود الطالب إلى وطنه، لتبدأ الثانية “قدر يلهو” حين يذهب إلى بيروت ويتعرّف إلى الراقصة.
في روايته “وداعاً يا أفاميا” نجد شكيب الجابري قد تطور كثيراً من حيث المتانة والقوّة والجرس الموسيقي بين الجمل وفخامة التعبير، إننا أمام نصّ يدلّ على ثقافة عربية عميقة يتبدّى كلّ ذلك من خلال بعثة أوروبية تتواجد في أفاميا في شمال سورية، وتعمل معهم جود الفتاة البدوية ويصف جمالها شكلاً ومضموناً، إننا أمام فتاة تبارك الخلاق عندما أعطاها هذا الحسن وهذه البراءة، يغويها أحد رجال البعثة وفي لحظة طيش تستسلم له، وعندما يتنكر لعمله، تضطر إلى الهرب خوفاً من انتقام العشيرة، تهرب إلى الغاب حيث تلتقي بمهندس شاب سوري، كان يعمل في التنقيب عن المعادن، أحبّها وأحبّته، وكانت الخاتمة بالزواج.
هذا الصراع الذي دار في العمل الروائي، والذي تجسد بين نجود وأحد أفراد البعثة، صراع بين الشرق والغرب، بين البداوة والحضارة، صنعه الكاتب في روايته هذه، لقد أراد الدفاع عن قيم شرقية، أمام فكر غربي.
إنّ البطل الأصلي للروايات الأربع هو شكيب الجابري، شاء من شاء، وأبى من أبى، فسيرة الكاتب تتقاطع كثيراً مع الأحداث التي تمرّ على أبطاله، وأن بطل رواية “قدر يلهو” يفكر في اعتزال العالم في دار شيدها فوق تلال الزبداني، القريب من دمشق، وهي الإشارة إلى التحفة المعمارية التي بناها شكيب الجابري هناك، وأسمّاها بقلعة الكوكو، فقد اشترى هضاباً صخرية في شرق الزبداني، غرب دمشق، وبنى فوقها منزلاً عجيباً، وأحيا حوله سلسلة من الحدائق، غرسها بالأشجار المثمرة وغير المثمرة. إنّه يرغب في التجديد بشكل دائم، ويتماهي مع شخصياته، ويذوب فيها، حتى لكأنه فيها، في الروايات الأربع. هكذا هو شكيب الجابري.
فيصل خرتش