ثقافةصحيفة البعث

“معشوقة فوق الضباب” وحكايات الضيعة

استمد الشاعر ثائر محفوض من السواقي والنبعة والصخور والبيت وشجرة التينة والسنديانة والبساتين قصائد بالمحكي في مجموعته الجديدة”معشوقة فوق الضباب” التي تغنى فيها بضيعته بشيلي التي يراها أجمل بقعة في الكون، ففاضت صوره وتراكيبه وقوافيه بجرسها الموسيقي الذي يصل إلى المتلقي وكأنه قصيدة مغناة وملحنة، وتشدنا عناوين القصائد “تنور عاشقة–حلوة الحارا-جرة العين– طلي ع سطحك –لو تعرفي إلى أجواء المحبة وأغنيات فيروز.
وقد وقّع الشاعر ثائر محفوض مجموعته بحضور محبيه وشعراء الفصيح والمحكي في المركز الثقافي العربي في المزة ضمن ندوة أضاءت على سمات المجموعة، وتناولت خصوصية الشعر المحكي المستمدة بتقارب من الشعر الفصيح من حيث الصور والوزن مع الاختلاف بين اللهجة المحكية واللغة الفصيحة بإدارة الشاعر د. أسامة الحمود، الذي تحدث عن أنواع الشعر المحكي ومنها الشروقي والميجنا والقصيد والموال وغيرها، وأثارت الندوة أهمية الشعر المحكي وقربه من الجميع كونه بمفردات اللهجة العامية المتداولة في يومياتنا، لاسيما أن مايقارب سبعين بالمئة من مفردات العامية مشتقة من مفردات فصيحة بمشاركة الشاعر أحمد زمام والإعلامي بلال أحمد.
وكانت التفاصيل هي انطلاقة الشاعر أحمد زمام في حديثه عن المجموعة المتسمة بغزارة الصور التي استمدها من الطبيعة والتي اقتبسها من حكايات الجدات ووظّفها بسياق القصيدة، فتوحد الشاعر مع تفاصيل عشقه مع ضيعته بشيلي التي وصفها بدقة”:
شوف الدني من فوق ماحلاها
بضيعا السحر ساكن زواياها
عشقه الذي يعبّر عن مكنونات روحه بجعلها المعشوقة التي رقصت على سفوحها القوافي، ليتخيل عتابها لبعد الحبيب عنها”شو العذر للعاشق بطول الهجر”
ومن هذا العشق يصل زمام إلى خاصية الانتماء التي استشفها من قصيدة جبل بشيلي”وحقك ع تقصيري تعاتبيني” لينتقل إلى الحكاية الشعرية والحب من طرف واحد بعدما وظّف فيها مفردات المكان”شفتا على تنورها بتلوح بالكارا” كمدخل لسرد الحكاية” قالت وبعدك من هون، يا فل يا بترك أنا الحارا”
وتبدو الحكاية الشعرية أكثر تشويقاً في قصيدة جرة العين التي تعيدنا بحواريتها بين الأم وابنتها إلى مشهدية مسرحية عبْر اعترافات عاطفية كانت الجرة إحدى مكونات الصورة:
يابنت هالجرة الكسرتيها/انكسرت معي مرة تحت التينة/قصة هوانا مع جرار المي/ياعين أمك مرض تكويني
وينتقل زمام إلى ذاكرة الشاعر التي أوحت إليه بالفرح تارة وبالحزن تارة أخرى حينما يستعيد ذكرى الطفولة بين صخور الضيعة والبيت في قصيدة ذاكرة النسيان:
كم مرة يا أمي الصبح فقت/ب بيت الكان غرفة وما تلاقيني
ولم تبتعد أجواء الضيعة عن البعد الوطني فضيعة بشيلي قدمت الشهداء مثل أية بقعة في جغرافية سورية فداء الوطن، فتوقف عند قصيدة شهداء بشيلي:
من شفاف هالحلوات عم يسرق قبل/ويهرب لفوق السما يكمل بدر
أما الإعلامي بلال أحمد فأوضح بأن الشاعر أجاد بوصف الضيعة التي تتموضع على قمم جبال اللاذقية تعانق الضباب وترنو إلى البحر، وبوصف حال سكانها وأبنائها البعيدين، ليتوقف عند جمالية تراقص الصور وأنسنة الأشياء بإسقاط العواطف النفسية والحسية، وبجعلها تفرح وتتألم وتنام وتعشق، وتمتاز بعنصر الانسيابية التي تأتي عفو الخاطر دون حشو وكأن الجملة الشعرية على مقاس المعنى مشكلة شعراً متماسكاً بوقع موسيقي “مافي حدا بيمسحلك الدمعات”
ليصل إلى عنصر الدهشة إذ يدهش المتلقي بقدرته على نقل الصورة الشعرية في تناول المعنى ويقفل بإدهاش”لما تركنا هالأرض جعنا”، وتابع عن القوافي المنسابة بلا تصنع من خلال القوافي الداخلية في بداية البيت ووسطه:
لما تركنا هالأرض جعنا/وع ترابها بيحن مرجعنا
أما عن البنية الموسيقية فمعظم القصائد على وزن مجتزئ من البحر البسيط الذي يقابل القصيد بالمحكي وبعضها على وزن الرجز الذي يقابل المعَنى، ليخلص إلى أن محفوض اكتشف صوراً جديدة باستخدام مفردات اللهجة العامية.
جاءت المجموعة بمئة وعشر صفحات صادرة عن دار بعل.
ملده شويكاني