أين إدارات القطاع العام من الاستثمار في الطاقات البديلة؟
واقع الحال يُظهر معاناتنا من نقص المشتقات النفطية لصعوبة استيرادنا لها نتيجة الحصار الاقتصادي الدولي المفروض علينا بأشكال متعدّدة، والملفت للانتباه أن الإعلانات المتتابعة عن اكتشاف المزيد من حقول الغاز الكبيرة لم ينعكس فيضاً في إنتاجه حتى الآن، بل ومشكو من نقصه بين مكان وزمان، أكان للاستخدام الأسري أو المؤسساتي، ومشروع استثماره واستخدامه كوقود للسيارات لازال قيد الدراسة، والخشية من أن تطول فترة الاعتماد، وما زالت خطوات التنقيب عن النفط واستثماره في الساحل السوري قيد الاتفاقات مع الأصدقاء، وقد يستغرق الاستثمار وقتاً غير قليل للوصول إلى مرحلة الإنتاج والاستخدام، كل ذلك يوجب المزيد من الجهود العامة والخاصة، للاستثمار في مجال إحداث الطاقات البديلة، وإن يكن بعض ذلك قائماً، إلا أنه دون المستوى المطلوب بكثير.
ففي مجال استثمار الطاقة الشمسية نشهد منذ سنوات إقبالاً متتابعاً من عشرات آلاف الأسر في جميع محافظات القطر لتركيب الطاقة الشمسية التي تؤمن الماء الساخن اللازم منزلياً، ما وفر آلاف الأطنان من الوقود الذي كان يستهلك لهذه الغاية. ومجدداً شهدت محافظة حماة إحداث أكبر محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، باستطاعة 1 ميغا واط، وهي ثمرة للشراكة والتعاون بين القطاعين العام والخاص وسيتم استثمارها لصالح المنظومة الكهربائية في المحافظة لمدة 25 عاماً، انسجاماً مع توجهات وزارة الكهرباء لتشجيع مساهمة القطاع الخاص في توليد الطاقة باستخدام الطاقات المتجددة، الذي سيوفر الحاجة لآلاف الأطنان من مادة الفيول النفطية المستخدمة في توليد الطاقة المعهودة.
أيضاً تشهد محافظة طرطوس إقبالاً كبيراً من المستثمرين، إذ تقدّم نحو /40/ مستثمراً بطلبات الترخيص للاستثمار في مجال الطاقة الشمسية ضمن عشرات الأماكن في مناطق المحافظة، وبطاقات إنتاجية تتراوح بين /30 كيلو واط حتى 2000 كيلو واط/، وقد بلغ عدد المشاريع المنفذة حتى نهاية الشهر العاشر من العام الماضي (18) مشروعاً وباستطاعة /5840/ كيلو واط ساعي، كما بلغت كمية الطاقة المشتراة من هذه المشاريع حتى شهر آب /3918848/ كيلو واط ساعي، وتوجد /4/ مشاريع مرخصة وقيد التنفيذ باستطاعة /3618/ كيلو واط ساعي، و/4/ مشاريع قيد الترخيص باستطاعة /2300/ كيلو واط ساعي، ومن المفترض وجود هكذا مشاريع في باقي المحافظات. ومن الجدير بالذكر أن أحد المخترعين في محافظة طرطوس قام بتصميم وتنفيذ سيارة خاصة له تسير على الطاقة الشمسية /منذ حوالي عشرين سنة/ ويستخدمها بين حين وآخر، ومن المفترض أن تكون هذه المحاولة قابلة لمزيد من التحديث والاستخدام.
أما بخصوص استخدام الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية، فلا زال في بداياته، والحدث الأبرز هو عنفة الرياح المولدة للطاقة الكهربائية التي أنجزتها قبل أشهر إحدى الشركات على طريق عام طرطوس حمص، علماً أن مخترع السيارة الشمسية قد صمم ونفذ –منذ سنوات- عنفة رياح لإنتاج الطاقة الكهربائية تخدم منشأته ومنزله، وعلى الأغلب تشهد بعض المحافظات استثماراً محدوداً لطاقة الرياح، والحاجة ماسة لمزيد من الإقبال، وخاصة في المناطق المفضَّلة. أما استخدام القمامة لتوليد الطاقة فلازال في حدود ضيقة جداً، إذ تقتصر على بعض المحاولات القليلة في بعض مزارع التربية الحيوانية، ولكن لم نسمع حتى تاريخه استثمار توليد الطاقة من أمواج البحر، خاصة وأن شاطئنا البحري يحاذي محافظتين، علماً أن القدامى استثمروا هذه الأمواج في تحريك القوارب البحرية التي عبرت المحيطات بفاسكودوغاما وطارق بن زياد، قبل مئات السنين، يوم لم تكن المادة النفطية معروفة، كما استثمروا مياه الأنهار في تدوير عنفات طحن الحبوب، ولازالت مباني الكثير من طواحين المياه قائمة حتى الآن على ضفاف عشرات الأنهار، ونشهد استثماراً كبيراً ومفيداً لتوليد الطاقة الكهربائية من مياه السدود، ما يوجب السعي الجاد لاستثمار طاقة الأمواج البحرية.
والسؤال المشروع: أين إدارات القطاع العام من الاستثمار في الطاقات البديلة، أليس من المتوجب أن تعمل وزارة الكهرباء باتجاه هكذا استثمارات كبيرة ومتوسطة /شمس ورياح وبحر…/ إلى جانب القطاع الخاص الذي يجهد في هذا الاتجاه؟، أليس من المتوجّب أن تسعى جميع الإدارات الرسمية الإنتاجية والخدمية لتأمين حاجتها من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، وتحديداً تلك الإدارات التي لا يجوز انقطاع الكهرباء عنها ومعهود استثناؤها من التقنين، أو تلك الإدارات التي تستخدم مولدات تصرف مئات الليترات من الوقود يومياً، عدا عن كلفة الصيانة ما كان منها وهمياً أو حقيقياً؟!، ألا يجب اهتمام رئاسة مجلس الوزراء بدراسة الجدوى الاقتصادية لمزيد من استثمار الرياح في المناطق الجبلية والسهلية والأمواج البحرية، والملفت للانتباه أن مجلس محافظة طرطوس تقدم قبل أشهر بدراسة ذات جدوى اقتصادية لإحداث منشأة طاقة شمسية كبيرة على عقارات يتصرف بها شمال مدينة طرطوس، ولكن السلطات المعنية المحلية والمركزية لم تبدِ تعاوناً بالموافقة حتى تاريخه، في حين يحظى القطاع الخاص ببعض التسهيلات.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية