دراساتصحيفة البعث

“آسيان” و الصراع الأمريكي الصيني

عناية ناصر

تتجاوز التوترات بين الولايات المتحدة والصين التجارة وتشمل مجموعة واسعة من القضايا بما في ذلك الاستراتيجية والأمن والقيم. وفي ضوء ذلك من المهم النظر في الخيارات التي تواجهها الآسيان وبلاد أخرى في سياق صراع القوة العظمى هذه ، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والتكنولوجيا.
ونظراً للتكنولوجيا المتقدمة التي تقدمها وتكلفتها المنخفضة نسبياً، فإن شركة هواوي والتي مقرها بمدينة شنجن الصينية هي خيار مفضل لأي دولة تتطلع إلى اعتماد تقنية الجيل الخامس، ومع ذلك ، اتهمت الولايات المتحدة الشركة بانتهاك القوانين الأمريكية وبأنها “تهديد مستمر للأمن القومي والسياسة الخارجية”. وقد تجلى هذا الاتهام في كانون الأول 2018 مع اعتقال المدير المالي لشركة هواوي ، منغ وانزهو.
وبمنع وزارة التجارة الأمريكية الشركات الأمريكية من بيع المعدات إلى شركة هواوي التي تعد بالفعل ثاني أكبر منتج للهواتف الذكية في العالم، تهتز سلسلة التوريد بأكملها. والآن هناك ضغوط أمريكية لإقناع الحكومات الأخرى بحظر هواوي ومنعها من الدخول في البنية التحتية للاتصالات.
من الناحية الاقتصادية، فإن السؤال المطروح بالنسبة للبلدان النامية هو كيفية الحصول على أحدث وأفضل تكنولوجيا الجيل الخامس عالية الجودة بأسعار تنافسية. لا تتيح خدمة الجيل الخامس الاتصال الهاتفي المحمول بشكل أسرع فحسب، بل يمكنها أيضاً تحويل العديد من قطاعات الاقتصاد. لكن البعض اعتبر قرار الولايات المتحدة بشأن شركة هواوي نموذجاً مصغراً للخيارات والمفاوضات السياسية الأوسع نطاقاً. في الصين، يشتري البعض الآن منتجات هواوي لإثبات وطنيتهم. في المقابل، اتخذ عدد من حلفاء الولايات المتحدة قراراً واضحاً باستبعاد شركة هواوي بما في ذلك استراليا ونيوزيلندا، الأمر الذي يواجه باستياء من الصين.
فتحت دول قليلة في الآسيان أبوابها لشركة هواوي، حيث وقعت الحكومة الكمبودية مذكرة تفاهم في نيسان لصالح شركة هواوي لتطوير شبكة الجيل الخامس الخاصة بها، كما استعانت شركات الاتصالات الكبرى في الفلبين بخدمات هواوي، في حين قال رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد: إن بلاده ستستخدم تقنية هواوي قدر الإمكان.
ولكن هذا لا ينبغي بالضرورة أن يعتبر على أنه وقوف إلى جانب الصين. هناك أسباب وجيهة للسماح لـ هواوي بالدخول منها التكلفة والجودة، فالحكومة الاندونيسية ، على سبيل المثال، تخطط لاتخاذ قرار بشأن تكنولوجيا الجيل الخامس عن طريق مزاد في عام 2022. وهذا ما يجعل هذا الخيار يبدو كقرار تجاري صرف.
في المقابل، وقفت فيتنام علناً ضد هواوي . على مستوى ما ، قد يبدو هذا مثالاً آخر للسياسة المتوترة بين هانوي وبكين، ولكن هناك أيضاً أسباب متعلقة بالسياسة الصناعية الوطنية ومصالح تجارية. تعزز شركة Viettel Group ، أكبر شركة للهاتف المحمول في فيتنام، الطموحات لتطوير معدات شبكة الجيل الخامس الخاصة بها ، وهي نشطة بالفعل في سوق الاتصالات في ميانمار.
لقد كرست التوترات بين الولايات المتحدة والصين الضغط على الدول بشأن خيارات أوسع في التكنولوجيا والبنية التحتية والمعايير. ويمكن أن تؤدي القوائم السوداء المتنوعة والتعريفات المتميزة إلى أنظمة تجارية مربكة متعددة. كما سيزيد الابتعاد عن الاعتماد المتبادل الاقتصادي من أوجه عدم الكفاءة وضياع الوقت والتكلفة، وعدم اليقين للأعمال التجارية عبر الحدود. لكن المخاوف تتجاوز قطاع التجارة، فعلى المستوى الاستراتيجي يجب أن تستجيب الآسيان لمفهوم “الهند والمحيط الهادئ” الأمريكي ومبادرة الحزام والطريق الصينية.
تؤكد الاندفاعة المحتملة الأمريكية الهندية والمحيط الهادئ على التعاون الاستراتيجي والعسكري وسط مخاوف من أنها معادية للصين. في مقابل ذلك ، قدمت الآسيان “رؤية آسيان حول الهند والمحيط الهادئ” ، من خلال توافق تم التوصل إليه خلال قمة الآسيان الرابعة والثلاثون في حزيران 2019. وهو يقدم نصاً مشتركاً يجعل دول الآسيان محايدة وموحدة.
صحيح أن مبادرة الحزام والطريق ركزت على التعاون في مجال البنية التحتية والاتصال، ولكن كان هناك مجموعة من الانتقادات حول شروط بعض الصفقات. أحد المخاوف التي أثيرت هو أن “مصائد الديون” يتم إنشاؤها وأن البلد المضيف قد يتخلف عن السداد ويتنازل لبكين عن الأصول الرئيسية. لم يمنع ذلك معظم الدول الأعضاء في الآسيان من العمل مع مؤسسات مثل بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية والشركات المملوكة للدولة في الصين، فالبنية التحتية ضرورية للعديد من البلدان ويمكنها مضاعفة قيمة القطاعات الاقتصادية.
على المدى القصير، يتعين على الحكومات المتأرجحة بين الولايات المتحدة والصين اتخاذ خيارات على أساس كل حالة على حدة. وهذا يعني اتخاذ موقف بشأن كل مسألة على حده، وليس بالنظر إلى الدولة المقابلة، لكن إشراك كل من الولايات المتحدة والصين ما يزال هو السياسة المفضلة للآسيان. ومع ذلك، فإن التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة والصين يفرض ضغوطاً جديدة على هذه السياسة، ذلك أن الواقع الناشئ هو أن كل موقف سيؤثر على الأرجح على الموقف التالي. ففي التكنولوجيا، يجب أن يكون التشغيل البيني اعتباراً طويل الأجل. لكن تبدو بعض القضايا مثل إنشاء البنية التحتية، وتطوير شبكات التكنولوجيا وحماية المواطنين محايدة، ولكنها قد لا تؤدي إلى تحقيق التوازن الفعال.
يقول البعض: إنه من الضروري أن تتحدث الآسيان بصوت واحد حول القضايا المثيرة للخلاف، ولكن الخيار الأكثر واقعية هو أن يكون لدى الدول الأعضاء في الآسيان حوار أكثر مع بعضها البعض أثناء اتخاذها للقرارات. في بعض الأحيان لا تحدث أكبر التغييرات نتيجة قرار جريء، ولكنها تنشأ من سلسلة من تغييرات أصغر. وقد يتم اتخاذ كل قرار من هذه القرارات الأصغر بناءً على ميزاته الخاصة، لكنه سيضاف بشكل تراكمي إلى التحول الاستراتيجي. إن من السابق لأوانه استنتاج ما إذا كانت دولة تقف إلى جانب الصين أو الولايات المتحدة، ولكن من الضروري على الفور للحكومات في المنطقة أن تفكر قبل اتخاذ القرارات السياسية المختلفة، وترصد كيف تضاف الخيارات وتعمل بشكل جماعي لزيادة مساحة مناورتها بين القوتين المتنافستين.