إعادة الإعمار
جلال نديم صالح
منذ أن بدأت سورية بالتعافي بعد سنوات الحرب العجاف التي استهدفت كل ما فيها بدأ الحديث يتردد هنا وهناك عن إعادة الإعمار وترميم ما دمر، بالتأكيد عندما يطرح هذا الموضوع ستكون الفكرة الأولى التي تتبادر إلى أذهان الكثيرين أن هذا يتعلق بالجانب الاقتصادي فقط من خلال إعادة بناء المعامل وإقامة المشاريع وترميم البنى التحتية وتنظيم وإعادة ترميم الأماكن السكنية التي دمرتها الحرب والاستثمار في القطاع السياحي، لهذه الجوانب الأولوية بالتأكيد لأهميتها وسنشهد تسابق رؤوس الأموال الخاصة للاستثمار فيها كونها مشاريع مربحة على المدى القريب، وبالـتأكيد هذا حق مشروع كون صاحب رأس المال يهدف للربح بالدرجة الأولى وبأسرع وقت، لكن لو سألنا أنفسنا ماذا عن الاستثمار في الجانب الثقافي وما يتصل به من مؤسسات هل يقل هذا القطاع أهمية عن سواه ولماذا نشهد غياب أو ابتعاد رأس المال الخاص عن الاستثمار فيه إلا ما ندر؟ ربما كان السبب الأساسي لذلك هو نظرة البعض إلى هذا الجانب عموماً بأنه من المشاريع غير المربحة كون النتائج يتأخر ظهورها ويمتد على المدى البعيد، وقد يعتبره البعض مشروعاً خاسراً لا جدوى منه، لكن نظرة بسيطة إلى الواقع الذي عاشته بلدنا خلال الحرب وما أفرزه ذلك من نتائج على كافة الصعد تؤكد أننا نحتاج بالدرجة الأولى لترميم مادمرته الحرب في النفوس وإصلاح أزمة الأخلاق والضمير والانتهازية التي برزت لدى البعض ونمت خلال سنوات الحرب وهذا يستلزم نهضة ثقافية، لهذا من المهم اليوم أن يكف البعض عن النظر إلى الاستثمار في الجانب الثقافي على أنه واجب ومسؤولية الدولة بقطاعها العام فقط، ومن الضروري بل من واجب رأس المال الوطني الخاص أن يقوم بدور فعال في دعم كل ما من شأنه النهوض الحقيقي بالواقع الثقافي عموماً من خلال دعم الأنشطة الثقافية والفعاليات والمهرجانات والدورات التدريبية وورشات العمل المختلفة وحتى المشاركة في دعم المراكز الثقافية والمسارح ودور السينما وصالات المعارض لتوسع نشاطها في جميع المحافظات، شريطة أن تكون هذه المشاركة نابعة من وعي حقيقي لأهمية دور الجميع في الإعمار الحقيقي لما دمر وليس بهدف الظهور فقط، وهذا لا يكون إلا بعد أن يعي الجميع أن الاستثمار في الثقافة عمل مربح ومجد حتى لو كانت نتائجه بعيدة المدى، لكنها نتائج حقيقية لها انعكاساتها على كل الجوانب الأخرى من اقتصادية وسياسية ومجتمعية.