اغتيال سليماني أكثر من مجرد جريمة
ترجمة: علاء العطار
عن “أميريكان هيرالد تربيون” 3/1/2020
لا نعلم على وجه اليقين ما الذي دفع دونالد ترامب بالضبط إلى إجازة اغتيال الجنرال قاسم سليماني، أكان الهجوم الأخير على السفارة الأمريكية في بغداد؟ أم كان الضغط المتواصل على ترامب الذي مارسه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، السعودية و”إسرائيل” اللتان حثتا البيت الأبيض على اتخاذ مزيد من الخطوات لوقف النفوذ الإيراني المتنامي في الشرق الأوسط؟ أم كان سيل النصائح ممن يدّعون أنهم خبراء بالشؤون الإيرانية في واشنطن، الذين زعموا أن اغتيال سليماني سيغيّر ميزان القوى في طهران؟ أم كان رغبة ترامب في احتلال عناوين الأخبار كزعيم عالمي قوي؟.
لكن ما نعرفه أن هذا القرار كان انتهاكاً سافراً للقانون الدولي، فالرئيس الأمريكي أمر باغتيال مسؤول رفيع المستوى من دولة لم تكن في حالة حرب مع الولايات المتحدة. للأسف، تجاوزت السياسة الخارجية الأمريكية خطاً أحمر آخر، فرغم أن البيت الأبيض خطّط بالتعاون مع “السي آي إيه” عمليات اغتيال زعماء أجانب في العديد من المناسبات في الماضي (كمحاولات اغتيال فيديل كاسترو)، إلا أن الرؤساء الأمريكيين لم يصرحوا قط عن هذه الأهداف علناً، عداك عن الافتخار بفعل وحشي كهذا!!.
يعدّ هذا الفعل أكثر من مجرد جريمة، إنه لخطيئة كبرى، وأي امرئ يعرف الإيرانيين يعلم أن على طهران الردّ على الخطوة الأمريكية، حتى لو لم يُنفذ هذا الردّ فوراً، ولا أحد من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بإمكانه الشعور بالأمان أكثر مما شعر في الثاني من كانون الثاني، فلدى إيران العديد من الوسائل لتقويض أمنهم بسهولة، لذا يستحسن على زعماء السعودية والإمارات و”إسرائيل” الاستعداد لأسوأ الأحداث، والأمر ذاته ينطبق على الجنود الأمريكيين المتمركزين في العراق وسورية، فهم أكثر الأهداف وضوحاً للقصاص الإيراني، أما فيما يتعلق بميزان القوى في طهران، فإن الإيرانيين لا ينقصهم القادة من ذوي الخبرة العالية والحماس المتقد ليخلفوا سليماني، وإن اختل ميزان القوى فسترجح كفة الحرس الثوري، لا العكس، فهل ستساعد هذه التطورات دونالد ترامب في حملته الانتخابية؟ يصعب حدوث ذلك.
للمرء أن يأمل ألا يكون الردّ الإيراني عاطفياً ومفرطاً، بل أن يكون محسوباً بشكل صحيح، لكن يجب أن تكون هذه المأساة إشارة لكل اللاعبين الإقليميين والخارجيين في الشرق الأوسط بأن الوقت المتبقي لديهم لمنع نشوب حرب كبيرة تحمل عواقب غير متنبئ بها بدأ ينفد، ورغم أن الإيرانيين لا يتوقون للحرب، إلا أن مزيج الكبرياء الإيراني والغطرسة الأمريكية يعدّ خليطاً شديد الانفجار.
واأسفاه، كل احتمالات إجراء محادثات ثنائية بين واشنطن وطهران ذهبت في مهب الريح، على الأقل لسنة أخرى، وهذا يعني أكثر من مجرد انقطاع الأمل في التوصل لتسوية لتخفيف العقوبات الأمريكية وقبول بعض صيغ “خطة ماكرون النفطية”، كما يعني أن مخاطر التصعيد غير المتعمّد في المنطقة أو نشوب صراع إيراني- أمريكي مباشر ناجم عن سوء تقدير أو خطأ بشري أو تصرف غير مسؤول تزداد تصاعدياً.
إن كان من المرجّح أن يبقى المسار الإيراني- الأمريكي مسدوداً لبعض الوقت، فسيكون من الملحّ أكثر تنشيط المسار الإقليمي، وفي نهاية المطاف، إن حدثت كارثة في المنطقة، فسيطال أثرها الدول الإقليمية في المقام الأول، وعلى الأقل، ينبغي التفكير بآلية إقليمية لإدارة الأزمات تشمل إيران والدول العربية المجاورة، وبإمكان القوى الخارجية، كروسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي، المساعدة في بناء هذه الآلية بالعمل مع شركائهم الإقليميين، وعلينا أن نعتبر اغتيال الجنرال قاسم سليماني بمثابة إنذار صحوة لمنع نشوب حرب فناء مرتقبة.