دراساتصحيفة البعث

اغتيال سليماني والتوتر المرتقب

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع بوليتيكو 4/1/2020
شكّل اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني نقطة تحوّل في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، ولا شك أنه سيجرّ حلفاء أمريكا الأوروبيين إلى المجهول، وسيهدّد بتعريض القوات الأوروبية على الأرض لخطر التصعيد المتبادل بين طهران وواشنطن. لقد قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتخلّص من أحد كبار القادة العسكريين الإيرانيين. وقيامه بذلك عرّض الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط إلى هجمات انتقامية محتملة، وفسح المجال أمام إيران للردّ على هذا الاغتيال.
بالنسبة للعواصم الأوروبية، أصبحت تحذيراتها حقيقة واقعة، حيث كانت قد حذّرت إدارة ترامب في وقت سابق من تداعيات الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية. لذلك قد يكون الردّ من قبل طهران فورياً أو طويل الأجل، وقد يتراوح من العمل العسكري في المنطقة إلى الهجمات الإلكترونية داخل الولايات المتحدة. لهذا ستحاول طهران إدارة مخاطر الصراع المباشر مع الاستمرار في نشر تكتيكات غير متماثلة لتقويض المصالح الأمريكية، وإن كانت مع إعادة رسم الخطوط الحمراء الآن.
لذلك فإن الوجود العسكري الأمريكي الواسع في الشرق الأوسط وأفغانستان يشير إلى أن الولايات المتحدة ستتحمّل العبء الأكبر من الانتقام.
تسبّب اغتيال سليماني بالفعل في تدهور جديد في علاقات إدارة ترامب ببغداد والتي قد تمتد إلى كابول، ومن المرجح أيضاً أن تثير سجالاً طويلاً داخل إيران حول ضرورة إخراج القوات العسكرية الأمريكية من العراق وأفغانستان المجاورتين. كما يحمل تأثير اغتيال سليماني أيضاً تداعيات مهمّة على الدبلوماسية العالمية والأوروبية. فعلى الجبهة السياسية، ستعتبر إيران هذا الاغتيال بمثابة ضربة أمريكية غير شرعية قد تؤدي إلى إعلان الحرب مما سيزيد من تعميق الشرخ القائم بين أوروبا وواشنطن.
ويأتي توقيت الاغتيال قبل أيام من الإعلان الإيراني الخامس المتوقع بتخفيض الالتزامات بموجب الاتفاق النووي. وستتأثر خطورة ومدى امتثال إيران بالتصعيد الأخير مع الولايات المتحدة، وقد تتخذ إيران الآن إجراءات أخرى بشأن الملف النووي كجزء من انتقامها، بما في ذلك تقييد وصول المراقبين الدوليين على الأرض، والذين يشرفون على البرنامج النووي الإيراني.
يبقى الاتفاق النووي في صلب السياسة الأوروبية تجاه إيران، فقبل اغتيال سليماني، كانت فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا قد أشارت بالفعل إلى أنها على وشك إطلاق آلية حلّ النزاعات بموجب الاتفاق النووي رداً على عدم امتثال إيران. وبناءً على ذلك إذا اتخذت طهران خطوات جذرية بشأن الملف النووي، فقد يمثّل ذلك الانهيار التام للاتفاق.
يتعيّن على أوروبا، التي قاومت حتى الآن الدعوات للانضمام إلى سياسة واشنطن بـ”الضغط الأقصى” ضد طهران، أن تستعد لديناميكية أمنية أسوأ في منطقة الشرق الأوسط، وأن تبذل جهوداً دبلوماسية مكثفة لحماية قواتها على الأرض، وهي الآن معرضة للخطر بشكل أكبر.
في الوقت الحالي، تبدو محاولات التوسّط في استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وطهران التي اقترحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعيدة المنال. وبدلاً من ذلك، يجب أن يكون التركيز الفوري لأوروبا على دبلوماسية مكوكية عالية المستوى تهدف إلى حماية ما يمكن إنقاذه من الصفقة النووية وخلق فترة تهدئة ضد المزيد من الهجمات داخل العراق.
انتقلت الولايات المتحدة وإيران، في غضون ستة أشهر، من استهداف الطائرات من دون طيار والمنشآت والقواعد النفطية، إلى استهداف الأفراد، وما زال من غير الواضح كيف ومتى ستختار إيران الردّ على اغتيال سليماني. لكن القائد الجديد لفيلق القدس -الذي تمّ تعيينه في غضون 12 ساعة من الاغتيال- سيكون بلا شك حريصاً على إظهار استعداده للانتقام من أمريكا، وعندما يحدث ذلك، لن يكون الشرق الأوسط أو أوروبا بمنأى عن الخطر وردّ الفعل.