يسألون عنها الخرافة والأوهام في حياة الطفل.. إشارات استفهام دون إجابات وتأثير في السلوك والشخصية
كما نعلم، الأسرة هي الخلية الاجتماعية الأبرز، وبالتالي فإن الخلفية الثقافية والعلمية للوالدين تشكّل عاملاً أساسياً في تربية أبنائهما، ويظهر الأثر السلبي على الأبناء إذا ساد الجهل، أو اليأس، أو حتى قلة الخبرة لدى الأبوين، وفقاً لما أكدته لنا الدكتورة نسرين موشلي، كلية التربية، جامعة دمشق، ويتوجب على الأهل بصورة دائمة مراعاة أحدث القواعد والأصول التربوية، وتلافي التصرفات الخاطئة، وعدم التمسك بها لمجرد أننا نشأنا عليها، أو أنها راسخة في أعراف المجتمع، والوعي، إلى أن ذلك سيؤثر في كينونة الأبناء وشخصيتهم مستقبلاً، وأن الأهل يلجؤون لتخويف الأبناء من أشياء وهمية عندما لا يستجيبون لإرشاداتهم وأوامرهم فقط، لأنهم يفتقرون لأساليب الإقناع، والتأثير الإيجابي تجاه أبنائهم، كقيام الأهل بتخويف طفلهم من الجن، أو البعبع، أو الغول، أو شخصيات خرافية مختلقة لمنعه من مغادرة المنزل مساء، أو لإجباره على الذهاب إلى النوم مبكراً، أو تناول طعامه، صحيح أن الخوف غريزة إنسانية خلقها الله في الإنسان، ولكن يجب أن توظف بشكل صحيح في تفادي الأمور التي قد تهدد سلامة الإنسان ووجوده، إلا أن زرع الخوف في الطفل بشكل غير مبرر سيخلق لديه حالة مرضية (فوبيا)، ويصبح الطفل فريسة لمخاوف وهمية غامضة، ويفقد ثقته بنفسه، ويتعزز شعوره بالضعف والنقص، كما أنه سيميل إلى الانسحاب، والعزلة الاجتماعية، وتوقع أصعب العواقب، وعدم القدرة على التفكير بالمستقبل، وتابعت الدكتورة موشلي بأن الاعتماد على الخرافة في التربية يعد من الأخطاء التربوية المتناقلة عبر الأجيال، والحل الأمثل لتلافي هذه الوراثة التربوية يكمن في إشاعة الفكر العقلاني السليم من خلال تدريب الأهل، أو حتى الشبان المقبلين على الزواج، على الأساليب التربوية الحديثة لتوجيه أفكار أطفالهم بصورة صحيحة ودون الحاجة لجعلهم أسرى الخوف.
تفسير لاعلمي
نلاحظ في مجتمعاتنا فوبيا متعلقة بتفسير كل شيء بعيداً عن علاقات السببية والعلوم، وأبرزها (صيبة العين)، وهي خرافة مستندة للجهل بالدين وأحكامه، صحيح أن علينا الحذر واليقظة من سلوك الشخص الغيور الذي قد يؤذينا عند نجاحنا في العمل، أو في علاقاتنا الاجتماعية بأفعال ضارة قد تكون كارثية، لكن هذا لا يعني أنه يؤذينا بعيونه الخارقة ونظراته المؤذية التي تصدر الأشعة (بحسب بعض الأغبياء)، لكن بعض المتخلفين حوّلوا ذلك الأمر إلى أشكال مغايرة وظواهر قد تدمر المجتمع والصداقات، وتخلق فرداً مفعماً بالمخاوف، فيخاف عند شرائه لأي شيء، وعند تلف هذا الشيء لا يبحث في الأسباب، بل يردد بكل ثقة كلمة (صابوه بالعين) مهما كانت أشياؤه تافهة، أو ينظر بعض الأشخاص لأنفسهم على أنهم محسودون من باب جنون العظمة، ويوهمون أن عليهم اعتزال الجميع رغم عدم امتلاكهم لأية ميزات، وفقاً لما أكده الطالب سليم ناصر، كلية الآداب، جامعة دمشق، وقد علل سبب ذلك بالجهل في تفسير الظواهر سابقاً، وعدم وجود التطور الحالي علمياً، وطبياً، وانتقال هذه القيم الخاطئة الخرافية إلينا عبر التربية الخاطئة منذ الصغر، أو عبر أشخاص يشوهون القيم الدينية للأفراد للسيطرة عليهم من خلال ترهيبهم، وتعزيز الثقافة القطيعية في عقولهم، أو من خلال ما يسمى بحكايا الجدات بظروف قاسية، حيث كان الأطفال يموتون بالعشرات بسبب نقص العناية الطبية، وعدم وجود اللقاحات الدورية، وكان التعليل الأكثر شيوعاً لدى الأهل هو (صيبة العين، أو الحسد)، ونلاحظ حتى الآن من يتحاشى نشر صورة لطفله على برامج التواصل الاجتماعي خوفاً من العين والحسد، فقد تعلّم منذ الصغر خرافة تقول إن الطفل الصغير معرّض للحسد أكثر من الكبير، وسيتعرّض للخطر والمرض عند مشاهدته من قبل بعض الأقارب، أو الجيران، أو الأصدقاء، في حين نلاحظ أن الأطفال في دول الغرب يحتلون منصات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات تظهر تميزهم وذكاءهم، ودون وجود أية مخاوف لدى أهلهم، وتلاحظ صفحات التواصل الاجتماعي لدينا تعج بالأدعية متنوعة الأشكال والصيغ، أدعية تتجاوز المنطق والعلم، ودون أي عمل أو جهد، وتابع ناصر: لقد لفت نظري أن أحد المواقع الالكترونية الصينية نشر خبراً لافتتاح مشروع متروأنفاق يخترق البحر، وفي التعليقات على الخبر تجد من يقول إن هؤلاء قوم كفار، وسيلاقون قوم آجوج وماجوج عند انتهاء أعمال الحفر، بدلاً من الاعتراف بفضل التكنولوجيا على البشرية، ومناقشة كيفية استخدامها، وتخيّل الميزانيات التي تم إنفاقها على المشروع، وكيفية وضع خطط للوصول لمثيلها في بلادنا، كما تجد أشخاصاً يسقطون كل فشلهم على ظواهر خفية عند فشلهم، أو طلاقهم، أو رسوبهم الدراسي، أو خسارة تجارتهم، أو تأخرهم في الزواج، لأن ذلك هو التعليل الأسهل والأنسب لما حدث معهم، ويجنبهم مناقشة الأخطاء ضمن عقولهم ونفوسهم، أو حتى الإجراءات المتخذة من قبلهم، وسيؤدي إيمانهم الخاطىء بهذه القوى الخفية المغروسة في تربيتهم منذ الصغر لتكرار الفشل مجدداً، وتكرار التعليل نفسه من الشخص الفاشل.
بشار محي الدين المحمد