“مدينة قارة.. تاريخ وحضارة” معالم وجوانب
“قارة” المدينة المعروفة في ريف دمشق “منطقة القلمون” جهد المؤلف عبد الرحمن محمود حيدر في كتابه الصادر عن الهيئة العامة للكتاب- مديرية التراث الشعبي- بعنوان “مدينة قارة… تاريخ وحضارة” في جمع ما أمكنه من معلومات تحمل قيمة وثائقية جيدة، وتقيّد جانباً مهماً من جوانب التراث الشعبي في هذه المدينة قبل أن تضيع معالمها مع الزمن كما ضاعت في العصور السابقة لعدم تدوينها.
وكتب المؤلف في مقدمة كتابه والتي سماها “كلمة على الطريق”: منذ أربع سنوات مضت فكرت جدياً بهذا العمل، وكان ينتابني الكسل أحياناً والانشغال بأمور أخرى أحياناً، فألجأ إلى تأجيل هذا الموضوع إلى وقت مناسب حتى مطلع عام 2004 إذ عزمت على القيام بهذه المهمة لأسجل كل ما يتعلق بمدينة قارة خلال القرن العشرين. باعتبار أن التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعمرانية وسواها التي حصلت في هذا القرن وفي النصف الثاني منه على وجه الخصوص تطورات مذهلة في كل مناحي الحياة، فخلال أربعين عاماً انقلبت الصورة تماماً نتيجة للتطور العالمي الذي جعل العالم كله كأنه قرية صغيرة بواسطة وسائل الاتصال والقنوات الفضائية والإذاعات، وأصبحت المعطيات الحضارية والثقافية ملكاً عاماً مجانياً ينقل عن طريق هذه القنوات التلفازية الفضائية، فانتقلت بلدة قارة من قرية بسيطة حتى عام 1960 إلى مدينة عامرة عام 2000 إذ دخلت إليها كل وسائل التطور الحديثة من خدمات فنية ومجار وشبكة مياه وشبكة هاتف وكهرباء والعمارات الحديثة بالاسمنت المسلح ودخول التلفاز الملون إلى كل بيت، وانتشار وسائل النقل الحديث من سيارات وجرارات وسواها التي حلت مكان الحمير والبغال. هذه النقلة السريعة والكبيرة في آن غيرت وجه مدينة قارة من كل النواحي في عاداتها وتقاليدها ووسائل معيشتها. فوجدت لزاماً علي أن أرصد هذه التغيرات بعد بسط الصورة القديمة بكل أشكالها ومعطياتها وعاداتها لتظل وثيقة تاريخية يرجع إليها من أحب عند الحاجة ممن سيأتون بعدنا.
لمحة تاريخية
جعل المؤلف كتابه موزعاً على تسعة أبواب، الأول ذكر فيه لمحة تاريخية عن مدينة قارة يقول فيها أن الروم دعوها “كوارى” و”كارّه” وتعني الاعتناء والاستشفاء، ويدعو النص السرياني هذه البلاد كركينا وتعني البرد الشديد بحسب البطريرك أنطانيوس، أما كلمة “قارة” في العربية فتعني التلة الكبيرة، وكانت معسكراً رومانياً على الجادة الإمبراطورية، وعلى طريق الحجاج القادمين من الشمال إلى الأراضي المقدسة جنوباً ومركز استراحة للقوافل القادمة من الجنوب باتجاه الشمال وبالعكس. والآرامية والسريانية لغة أهل قارة في المجتمع وطقوس العبادة قديماً، وقد دخلت إليها اللغة العربية بعد الفتح الإسلامي رويداً رويداً إلى أن سادت وأصبحت اليوم اللغة الشعبية والرسمية.
وفي الباب الثاني يتحدث عن طبيعة مدينة قارة التي تبلغ مساحة أراضيها 370,3 هكتار تتوزع بين منطقة سهيلة تمتد من حدود الحفر وصدد شرقاً حتى سلسلة لبنان الشرقية، وهذه السهول كانت تزرع قديماً كلها بالحبوب والقمح والشعير فتربتها كلسية، ويعد المناخ في بلدة قارة مناخاً معتدلاً صيفاً وبارداً شتاءً، وتعتبر قارة من البلدان الغنية بمصادر المياه العذبة التي تجعل منها جنة خضراء في سهلها وجبلها قديماً وقبل أن تجف بعض الينابيع.
وفي الباب الثالث يتحدث عن التركيبة السكانية والنمو السكاني حيث تتألف “قارة” من مجموعة من العائلات التي قدمت إلى “قارة” من مناطق مختلفة من سورية، خاصة بعد تغيير الظاهر بيبرس لتركيبتها السكانية، فهناك عائلات قدمت من دير الزور وأخرى من العراق ولبنان والقرى المجاورة، فالتركيبة السكانية تمتاز بتنوعها واختلاطها إلا أنها اشتركت في ميزات مختلفة وتأقلمت معها وكونت صورة المجتمع الجديد التي نراها اليوم بعد أجيال من الاستقرار ألف بينها ووحد عاداتها وتقاليدها المشتركة.
وفي الباب الرابع يتحدث عن الزراعة والصناعة حيث تتميز “قارة” باتساع أراضيها وتنوعها من سهل وجبل، وكان الفلاحون يعتمدون على الزراعة البعلية اعتماداً كبيراً يزرعونها بالقمح والشعير، وتقسم الزراعة في قارة إلى زراعة مسقية وزراعة بعلية.
الأدب في قارة
أما التعليم فكان في النصف الأول من القرن العشرين يعتمد اعتماداً كلياً على ما يسمى بالكتّاب أو الشيخ وكان الطفل يتخرج ويتقن القراءة والكتابة بشكل جيد، وفي زمن حكومة الملك فيصل عام 1918 تم شراء وبناء للمدرسة. كما تميزت “قارة” بوجود العديد من الأدباء ومنهم حسن حيدر الذي تعلم الكتابة على الحجارة أثناء رعيه للمواشي، ومرعي حيدر الذي تلقى تعليمه على يد والده حسن حيدر، والشاعر محمد نايف قدور الذي عمل في حياته المهنية كطبيب أسنان، إذ لم يكن في البلدة طبيب، وأحمد محمود حيدر وهو من الشعراء الشعبيين واشتهر بالعتابا والزجل في المناسبات والأعراس، والباحث د. محمد عمر الحاجي الذي تخرج من جامعة دمشق كلية الاقتصاد ونال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي، والشاعر فيصل محمد الحجي والشاعر رفيق قدور والشاعر عبد الرحمن محمود حيدر عمل مدرساً للغة العربية في دمشق وحلب وفي اليمن والكويت وأنتج أربعة عشر ديواناً شعرياً، والشاعر صهيب سويدان وإسماعيل ناصيف.
الأدب الشعبي
واختص الباب السابع بالأدب الشعبي الذي شمل تعريفات لكل من: عبارات المجاملة، وخرج الملاح، والقباط، ورفع الأثقال، ودب عميش، والطاسة والمفتاح، والمظلوم، وليّ الذراع، وبعض القصص الشعبية.
أما الباب الثامن فكان من نصيب العادات والتقاليد فيما يخص الخطبة والزواج، والباب الأخير جاء لاستعراض المؤسسات الخدمية من البلدية والأحياء القديمة والجديدة، والبريد، والهاتف، والنادي الرياضي، والجمعية الفلاحية، والوحدة الإرشادية، ووحدة مياه قارة، وجمعية النقل والمواصلات.
جُمان بركات