“الجنايات الدولية” تفتح التحقيق بجرائم الكيان
ريا خوري
أعلنت السيدة فاتو بنسودا ممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، قبل أيام، أنها تريد فتح التحقيق بالجرائم التي ارتكبها ضباط وجنود الاحتلال الصهيوني بحق أبناء شعبنا العربي الفلسطيني، حيث قالت: “إن جرائم حرب ارتُكبت أو ترتكب في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، والقدس الشرقية وفي قطاع غزة، وطلبت من المحكمة الدولية حكماً بخصوص الأراضي المشمولة ضمن صلاحياتها”.
لقد كان لهذا القرار ردود فعل إيجابية في وسائل الإعلام العربية، حيث رحبت بقرار المحكمة الجنائية الدولية إجراء تحقيق شامل بـ”جرائم حرب مزعومة” في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بالمقابل فقد وصفت صحف عدة هذا القرار بأنه أربك قادة إسرائيل، وأحدث رعباً وتخبطاً في الكيان الصهيوني، ما دفع العديد من الكتَّاب والصحفيين والمراقبين للتساؤل حول ما إذا كان هذا القرار سيردع الكيان الصهيوني؟. كما دفع العديد من الصحفيين العرب للقول أن “كل الدلائل تشير إلى أن المئات من قادة دولة الاحتلال السياسيين والعسكريين والأمنيين يتعرضون للملاحقة القضائية، على جرائم الحرب التي اقترفوها بحق شعبنا الفلسطيني”.
أما بنيامين نتنياهو فقد قرّر أن يتخذ من “السردية اليهودية”، وهي كذبة التاريخ الكبرى التي قامت عليها دولة الاحتلال الصهيوني بأنَّ “فلسطين كانت أرضاً بلا شعب لشعبٍ بلا أرض”، وأنَّ الكيان الصهيوني الغاصب قد استردها وهي “أرض الآباء والأجداد”، ذريعةً للدفاع عنه وعن ضباطه وجنوده الذين ارتكبوا أبشع جرائم الحرب بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني خاصة، والشعب العربي عامة.
ورداً على قرار الجنائية الدولية قال وزير المواصلات الصهيوني بتسليئيل سموطريتش أنه سيهدم قرية فلسطينية كل يوم، وسيقضي على السلطة الوطنية الفلسطينية انتقاماً من قرار المحكمة الجنائية الدولية البدء في التحقيق بشأن جرائم حرب قد يكون الكيان الصهيوني ارتكبها في الضفة الغربية بما فيها القدس وفي قطاع غزة. وهدّد أنَّ السلطة الوطنية الفلسطينية تُلحق أضراراً بالغةً بالكيان في المحافل الدولية والأفضل أن يعمل الكيان على تدميرها، ووصف المحكمة بأنها “هيئة سياسية معادية للسامية”.
ليس هذا فحسب بل أرسل رئيس وزراء الكيان نتنياهو برسائل إلى زعماء العالم تتسم بالحسرة والألم، ولا تخلو من عناد وتحدٍّ لكل مؤسسات العالم، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، يقول فيها: “نحن نقاتل من أجل الحقيقة التاريخية”، واصفاً قرار محكمة الجنايات الدولية بفتح تحقيق بارتكاب قادة وجنود الكيان الصهيوني جرائم حرب “باليوم الأسود”.
يستند مجرم الحرب نتنياهو في رسالته التي أرسلها لمعظم دول العالم إلى عدم صلاحية المحكمة الجنائية الدولية في هذا الشأن لعدم وجود دولة فلسطينية ذات سيادة، وإنما سلطة مقيدة باتفاق أوسلو الذي حوّل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أراضٍ متنازع عليها، بعد أن تمكّن من الحصول على اعتراف من منظمة التحرير الفلسطينية بسيطرة الكيان الصهيوني على أكثر من 78 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية، مقابل اعتراف الكيان الصهيوني بمنظمة التحرير الفلسطينية وليس مقابل دولة لها مقوماتها المعترف بها دولياً، أو حتى الاعتراف بحق الشعب العربي الفلسطيني فيما تبقى من فلسطين التاريخية بعد أن التهمت المستوطنات جزءاً كبيراً من أراضي الضفة الغربية.
لقد أعلنها نتنياهو حرباً على المدعية العامة في لاهاي بما سبّبته من قلق من احتمال إصدار أوامر اعتقال سياسيين وعسكريين من كبار الضباط الصهاينة، سواء أكانوا سابقين أم حاليين، لذا قرّر الكيان الصهيوني عدم التعاون مع المحكمة بأي شكل من الأشكال بحجة أن المحكمة ليس لها اختصاص العمل، ولا تملك الصلاحيات التي تمكنها من ذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة، متذرعاً بوجود اتفاق بين السلطة والكيان الصهيوني “بحل النزاع بينهما ضمن المفاوضات التي يمكن أن تجري في المستقبل بعد أن توقفت”. وزاد على ذلك أن صلاحيات المحكمة تنحصر داخل دول ذات سيادة، وأن السلطة الوطنية الفلسطينية لا تعتبر جهة ذات سيادة.
الخوف الذي يعتري القيادة الفلسطينية هو أن يكون ردّ الدائرة التمهيدية المنتظر خلال مائة وعشرين يوماً إلى مائة وثمانين يوماً سلبياً، حيث ستبدأ بعدها مرحلة تقديم الطعون، وهذه المرحلة لا ترتبط بوقت محدّد حيث قد يستمر لأشهر بل لسنوات طويلة قبل أن تقرّر الدائرة فيه. أما إذا كان قرار الدائرة التمهيدية قراراً إيجابياً فإن قرار بدء التحقيق ليس محكوماً بسقف زمني محدّد، وهذا ما يفسح المجال أمام الكيان الصهيوني لارتكاب مزيد من الجرائم البشعة ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من أجل تغيير الوقائع على الأرض.