استشهاد سليماني والمهندس.. ورسائله..
د. صابر فلحوط
قالت العرب قديماً: (طبق الثأر يُؤكل بارداً).. تذكّرت هذه الحكمة التاريخية، وأنا نتابع المشهد غير المسبوق لتشييع الشهيدين الكبيرين “الفريق قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي القائد أبو مهدي المهندس ورفاقهما” .. وكلما تابعت ودققت في التصريحات، والتحليلات التي تتقاذفها وسائل التواصل، والإعلام على اختلاف فروعه، ومصادره، وتوجهاته، أتمنى أن نقرأ جيداً، رغم مرارة الفاجعة، وحرارة غليان الدم الثأري القول العربي القديم والذي ملخصه: (إن عربياً ثأر لدم أعزائه الذين تم اغتيالهم قبل أربعين عاماً)، وعندما سأل حكيم قومه عن رأيه بما فعل، قال له: (حياك الله، لكنك بكَّرت)…
فالشهيدان العظيمان، سليماني والمهندس، بلغا ذرى الخلود مع الأنبياء، والقديسين، والأجلاء، والعظماء من أبناء الأمة، يناشدان الغيارى، والمستعجلين لتحقيق النصر على القتلة، الأقربين والأبعدين، الذين ارتكبوا الجريمة الأبشع، والأفظع على تراب بغداد، ألا تعجيل ولا استعجال، ولا سرعة، ولا تسرع في الرد الحتمي والملزم، مؤكدين أهمية الإعداد الأدق في اختيار الزمان، والمكان، ومروحة الأهداف التي يجب أن توازي عظمة الدماء التي أريقت، والدموع الغوالي التي استنزفت، والنفوس التي تتحرق للثآر على امتداد محور المقاومة والساحتين العربية والدولية، حيثما وجد المظلومون، والمقهورون والمجرحون بحراب أمريكا والصهيونية الحاقدة، والرجعية الحليفة لكل معتدٍ على أمتنا ومقدساتنا…
يعلّمنا التاريخ، أن عظمة الشهادة تتجلى في أن صاحبها يولد عظيماً، كما حياته، لحظة صعود روحه إلى رفرف الخلود مصداقاً لقول الشاعر القومي مخاطباً أهل الشهيد، ورفاقه:
(لا تبكه، فاليوم بدء حياته إن الشهيد حياته بمماته)
والدليل الأسطع هو مشهد جنازة القرن للشهيدين الغاليين سليماني والمهندس..
لقد أكدت أمريكا بفعلتها الإجرامية النكراء أنها دولة قصيرة النظر، وقد رسبت مراراً في امتحان قراءة تاريخ الشعوب، مؤكدة أنها صانعة الإرهاب، ومدربته، ومسوقته والخاسر الأول والأخير في تجارته!!.
وإن متابعة عجلى لتاريخ هذه الدولة (العظمى ) يؤكد أن الإرهاب يشكّل أبجدية مسيرتها، كما أن تجاوز القوانين الدولية يمثّل الأساس في مبادئها ونظرتها إلى العالم..
فلم تحصل جريمة في التاريخ المعاصر إلا وكانت الأصابع الأمريكية وراءها، حتى أصبحت المقولة العالمية المتداولة حقيقة: (إذا تخاصمت سمكتان في المحيطين الأطلسي أو الهادي، أو في البحرين المتوسط والأحمر، فلا بد أن تكون خلف هذه الخصومة، اليد الأمريكية الصهيونية.!! وإن جردة سريعة لجرائم أمريكا في القرون الثلاثة الماضية تؤكد حقيقة تاريخ الإجرام الأمريكوصهيوني على تراب القارة الأمريكية (العالم الجديد) أو خارجه:
فإذا تجاوزنا جرائم أمريكا ضد الهنود الحمر في مطلع تكوين الولايات، ففي العام 1865 كانت أولى الجرائم الأمريكية المتمثلة باغتيال الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن، بسبب وضعه نظرية (تحرير العبيد) في القارة البكر!! وقد تبع ذلك اغتيال الرئيس الأمريكي جيمس خافيلد عام 1881، ثم توالت حلقات مسلسل الاغتيالات الأمريكية، حيث تم اغتيال الرئيس وليام ماكينلي، ولعل العالم ما يزال يذكر اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي عام 1963، وهو وسط موكب كبير من جنوده، ومخابراته، ومازالوا يبحثون عن القاتل الذي يسرح خارج قبضة العدالة!!.
ولعل الذاكرة التاريخية تتوهج عند الحديث عن المناضلين العالميين من أجل الحرية، والذين اغتالتهم أمريكا، حيث يأتي في مقدمهم الزعيم الأشهر مارتن لوثر كينغ رئيس حركة الحقوق المدنية في أمريكا عام 1968.
أما مسلسل الاغتيالات الأمريكية خارج التراب الأمريكي، فيأتي في المقدمة السيدة (أنديرا غاندي) رئيسة وزراء الهند عام 1948 والسيدة بنازير بوتو رئيسة وزراء الباكستان عام 1996..
ويأتي الشعب العربي الفلسطيني أسطع مثال على جرائم أمريكا في المنطقة العربية من خلال الممارسة، والدعم غير المحدودين للكيان الصهيوني الغاصب للأرض والقاتل للمواطنين، والمستبيح للمقدسات والحقوق في فلسطين والجولان وغيرهما… وهل ينسى شعبنا في العراق ملايين الضحايا التي خلّفها الاحتلال الأمريكي لهذا البلد الشقيق منذ أربعين عاماً عبر توريط قيادته، ودعمها في حربها العبثية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعبر الاحتلال المباشر للعراق عام 2003، ولايزال يخترع له المؤامرات، ويصطنع الأعداء، بدءاً (بداعش)، وانتهاء بإعداد القواعد العسكرية الإرهابية التي كانت آخر جرائمها اغتيال الشهيدين الكبيرين سليماني والمهندس على ثرى العراق..
ولا شك أن جميع المناضلين من أجل الحرية، والكرامة الوطنية، والقيم الإنسانية يبكون الشهيدين الأكرمين ورفاقهما، ولن يخفف الغصة، ويجفف الدمعة، ويشفي غليل الثأر إلا المعركة المنتظرة، والمنتصرة، التي لا بد أن تكون خواتيمها تكنيس الإرهاب بصفوفه ومصادره كافة، أمريكية وصهيونية ورجعية نفطية من المنطقة، حيث يتحقق النصر الذي عبّدت سورية العربية طريقه بدماء أبطال جيشها الجبار، وحكمة قيادتها الجسورة، وتضحيات شعبها الإعجازي الصمود، ودعم محور المقاومة الشريك الاستراتيجي في النصر المنتظر لتحرير فلسطين والجولان، وكل شبر محتل من الأرض العربية، واندحار القطبية الأحادية والاستكبار الأمريكي الصهيوني الرجعي، وقيام عالم الشعوب التي توازن تضحياتها عظمة استقلال إرادتها، وحرية كلمتها، وقدسية دماء شهدائها.